بما أن جوهر وأبعاد وأهداف " صفقة القرن "، قد أصبحت معلومة منذ بعض الوقت من قبل الفلسطينيين، فإنه لم يعد ثمة أي عذر لأي نظام عربي، لأن يدعي عدم الوضوح. عدم الوضوح شكّل مبرراً وذريعة لبعض العرب لأن يتمادوا في تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، متجاهلين أن ما ظهر من "صفقة القرن" حتى الآن كاف لوقف هذا التدهور التاريخي في السياسة العربية. كما لم يعد ثمة أعذار لدى العرب المهرولين في اتجاه تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، بدعوى أولوية الصراع مع إيران، فيما يكتفي هؤلاء بمعسول كلام مكرور عن التزامهم إزاء القضة الفلسطينية، بعدما صادرت إسرائيل والولايات المتحدة، أهم الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية والعربية.


أصبح من الواضح تماماً، أن ثمة تطابقاً إلى حد كبير بين سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل إزاء القضية الفلسطينية، وكل ملفات الشرق الأوسط، والأنكى من ذلك، هو اعتراف الإدارة الأميركية بأن سياساتها في المنطقة تنطلق أساساً من مصالح الولايات المتحدة، وليست انصياعاً لضغوط اللوبي الصهيوني وإسرائيل. لا يحتاج العرب إلى المزيد من البراهين على أن السياسة الأميركية، الآن كما كانت دائماً، تشكل الخطر الأكبر والدائم على الحقوق العربية، مع فارق أن هذه الإدارة الموجودة في البيت الأبيض هي الأكثر وضوحاً وغطرسة، الأمر الذي يضعها في موقع العداء الأول والدائم للأمة العربية.


هذه هي الحقيقة، التي ينبغي على العرب إدراكها، ليس فقط من باب ما تتعرض له القضية الفلسطينية وحسب، بل وحتى من باب الخطر الداهم الذي يستهدف الدولة الوطنية، والنظام السياسي، ومقدرات وثروات ومستقبل الأمة العربية. ثمة تماهٍ بين المخططات الإسرائيلية التوسعية بما يتجاوز أرض وشعب فلسطين، مع المخططات والمصالح الأميركية، ليشكل الطرفان حلفاً غير مقدس معادياً للأمة العربية بأسرها.


كان من الطبيعي إذاً بعد أن ظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أن يبادر السيد الرئيس محمود عباس ، لاستدعاء العرب إلى اجتماع طارئ على مستوى الوزراء، للبحث فقط في موضوع واحد، يستحق التركيز الشديد، وهو المخاطر التي تتعرض لها القضية ويتعرض لها الشعب الفلسطيني في ضوء ما ظهر، من تسريبات لصفقة القرن، وبعد كل ما ظهر منها حتى الآن من مصادرة للحقوق الفلسطينية.


قد يرى البعض أن القمة العربية التي انعقدت قبل أقل من شهر، قد عبّرت عن الموقف العربي، وأن ما صدر عنها يكفي للإجابة عن أسئلة السياسة العربية في مواجهة صفقة القرن، غير أن ما جرى وما صدر عن القمة، لا يرقى إلى مستوى خطورة المرحلة.


كان لا بد إذاً من دعوة العرب، وبرأينا أن الملف الفلسطيني يستحق عقد قمة عربية طارئة، ذلك أن المطلوب يرقى إلى مستوى القرارات التاريخية، للإجابة عن أسئلة مرحلة تاريخية، طافحة بكل أشكال الخطر الداهم على الحقوق الفلسطينية والعربية.


لا مجال للمجاملة، والاكتفاء بإصدار المواقف والبيانات، وتقديم الدعم بالقطارة، الأمر الذي يستدعي شرحاً ومواقف سياسية واضحة تضع العرب، كل العرب، أمام مسؤولياتهم التاريخية، وفضح كل موقف متخاذل أو متواطئ يذهب في ميدان الممارسة إلى عكس ما يصدر عن الألسن.


ثمة إرهاصات ومؤشرات على إمكانية تحريك مواقف الدول الأوروبية وغير الأوروبية، التي تعارض سياسة الحلف الأميركي الإسرائيلي بشأن قضية السلام، وفي القلب القضية الفلسطينية، ما يستدعي من العرب أن يكونوا جاهزين لأن يشكلوا الدينامو لتحريك تلك المواقف وتحويلها إلى سياسات فاعلة. المسألة بالنسبة للمجتمع الدولي لا تتعلق فقط، بمعارضة سياسية أميركية إسرائيلية تصادر الحقوق الفلسطينية والعربية، بل إن لهؤلاء أيضاً مصالح في المنطقة فضلاً عن حاجتهم للدفاع عن منظومة الأمم المتحدة التي تطيح بها السياسة الأميركية الإسرائيلية.


لقد تأخر المجتمع الدولي في التحرك، لكن هذا التأخير لا يعود فقط للضغوط الأميركية الإسرائيلية، ولا فقط لتردد الدول الفاعلة إزاء مواجهة السياسة التي تضرب مصالحه، وإنما أيضاً بسبب تأخر العرب في التحرك الفعلي لأسباب تتصل بمراهنات خاطئة وخطيرة.


ما ينطبق على تأخر الوضع العربي، ينطبق وعلى نحو أكثر مأساوية على الوضع الفلسطيني، الذي يظهر وعياً عميقاً لمخاطر وأبعاد وأهداف صفقة القرن، دون أن يتجهز الكل الفلسطيني، للقيام بواجباتهم المتمثلة في إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة.


لذلك إذا كانت ثمة ضرورة استدعت دعوة العرب إلى اجتماع وزاري طارئ، فإن الضرورة ذاتها تستدعي من الفرقاء الفلسطينيين أن يتداعوا إلى اجتماعات وحوارات طارئة ومستعجلة، لإنهاء ملف الانقسام،والالتفات لموجبات تحضير الميدان للمجابهة.


مجروحة الادعاءات التي تصدر عن قيادات فلسطينية، من الشعب الفلسطيني وقواه الحية، أنها قادرة وهي على هذا الحال، على إفشال صفقة القرن التي لا ينتظر أصحابها موافقات من أي طرف فلسطيني، ذلك أن الآلية الوحيدة التي تعمل بموجبها الولايات المتحدة وإسرائيل هي من خلال فرض الأمر الواقع.


إذاً فإن اجتماع وزراء الخارجية العرب، ليس موضوعه الأزمة المالية، التي تعاني منها السلطة الوطنية، على الرغم من أهمية هذا الموضوع؛ نظراً لأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً هائلة، وابتزازاً صريحاً من باب استخدام المال. المطروح على العرب، هو كل الملف الفلسطيني، في مجابهة صفقة القرن، ونحو انتقال العرب عملياً بعد اتخاذ مواقف نظرية نحو العمل والتصدي وتوفير الإمكانيات المطلوبة للفلسطينيين دفاعاً عن حقوقهم ودفاعاً عن الحقوق العربية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد