واشنطن بوست: خارطة لدولة فلسطين معدومة السيادة!

هاني حبيب

في عددين متتاليين، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» آخر ما تسرّب من صفقة ترامب حول «السلام» في الشرق الأوسط، ففي عددها ليوم 15 من الشهر الجاري نقلت عن أشخاص نقلوا عن كوشنر مستشار الرئيس الأميركي ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، أن الخطة تربط بين السلام والتنمية الاقتصادية والاعتراف العربي بإسرائيل وقبول نسخة تحاكي الوضع الراهن بشأن «الحكم الذاتي» الفلسطيني بدلاً من السيادة. كما نقلت الصحيفة عن غيث العمري، المستشار السابق في السلطة الفلسطينية والمحلّل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه تم الطلب من دول الخليج دعم الملف الاقتصادي مالياً أثناء زيارة كوشنر الأخيرة، إلاّ ان الرد جاء «مهذباً»: أخبرنا أولاً عمّا يفترض أن ندفع مقابله، وبالتالي لم تكن هناك التزامات.


في عددها في اليوم التالي السادس عشر من الشهر الجاري، كشف المحلل السياسي الأميركي دانيال بابيس والذي عمل في قسم التخطيط السياسي بالخارجية الأميركية، أن الخطة تنطوي على تبادل كبير تعترف بموجبه الدول العربية بإسرائيل وتعترف إسرائيل بفلسطين التي ستتكون من منطقتي أ + ب بكاملها وأجزاء من المنطقة (ج) وبما يشكل 90 بالمئة من الضفة الغربية، على أن تكون عاصمتها داخل حدود بلدية القدس الممتدة أو بالقرب منها، من شعفاط وأبو ديس وجبل المكبّر، بينما تخضع المناطق المقدسة بما فيها البلدة القديمة لإشراف هيئة دولية، ونقل السكان اليهود في بلدات الضفة الغربية و فتح ممر بري يربط الضفة الغربية بقطاع غزة ، حيث تنضم غزة إلى فلسطين (!) عندما تستعيد السلطة الفلسطينية السيطرة عليها. وتنظيم حزمة مساعدات مالية ضخمة تصل إلى 40 مليار دولار، وبوصول فلسطيني مؤقت إلى بعض المنافذ البحرية والمطارات الإسرائيلية، مع استمرار سيطرة إسرائيل على حدود فلسطين ومجالها البحري والجوي ووادي الأردن، مع اعتراف قانوني أميركي بهذا الوضع.


أي متابع لتسريبات صفقة ترامب، راجع ما نشرته «واشنطن بوست»، لكننا نحاول من خلال تلخيص موجز متجاور لما جاء فيها خلال يومين متتاليين، يستطيع التعرف على جوهر ما أشارت إليه الصحيفة، وهنا لا بد من التذكير أيضاً، أن مسؤولاً أميركياً علّق على هذا النشر بالقول إنه غير دقيق ولا يمتّ لحقيقة ما تنطوي عليه الخطة من عناصر، وبصرف النظر عن هذا النفي، فإن التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن حديث نتنياهو عن فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، لن يلحق أي ضرر بخطة ترامب، ما يؤشر إلى دعم أميركي، حتى بعد الانتخابات الإسرائيلية، لخطة نتنياهو إزاء ضم الضفة الغربية، أو مستوطناتها الكبرى وغور الأردن، تحت مبررات أمنية كما هو الحال في إقرار أميركا للسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.


وبالعودة إلى ما نشرته «واشنطن بوست»، فإن المقال الثاني، يتقاطع مع التسريب الأول، إلاّ أن توصيفات الوضع المحتمل في الخطة، ينطوي على مفاهيم ومصطلحات مغايرة، التسريب أشار بوضوح إلى أن الحل في جوهره اقتصادي يسقط ضمان إقامة دولة فلسطينية، بينما نلحظ في المقال مصطلح دولة، ومصطلح فلسطين، مع الربط بين العناصر الاقتصادية والأخرى السياسية، وبوضوح تام، فإن هذه المصطلحات تلحظ كيانا منقوص السيادة وتحت السيطرة الإسرائيلية المطلقة، لا بأس من اعتراف أميركي بهذا الوضع الذي يؤكد المصالح الإسرائيلية مقابل اعتراف عربي.


خلاصة القول الموجز في هذا السياق، أن واشنطن تجري مباحثاتها ومشاوراتها إزاء هذه الخطة مع بعض الدول العربية، ما يعني أن هذه الصفقة تجري بين واشنطن وعواصم عربية، باطلاع وتأييد إسرائيلي للخطة، وتجاوز للجانب الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه التشكيك بمدى نجاح هذه الخطة حتى لو تم فرضها!

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد