هناك مسرحية عالمية ستظلُّ ماثلةً في ذهني، قرأتها كرواية للكاتب الجزائري المولد، الفرنسي الجنسية، إميل زولا المتوفى عام 1960، منذ عقود مضتْ.
هذه المسرحية الخالدة، مقتبسة من قصة واقعية عن الإمبراطور الروماني كاليغولا، عاش في القرن الأول الميلادي، هذا الإمبراطور أُصيبَ بأبشع أمراض النفس، مرض جنون العظمة، حين ظنَّ أنه خرج من حالته البشرية، وتحوَّل إلى إله معبود، يملك الأرض ومَن عليها، وما عليها، وأنه قادر على فعل كل شيء، حتى أنه حاول أن يُغير النظام الشمسي، بأن يجعل الشمس تبزغ من الغرب، لا من الشرق!
ثم شرع في تجريب قواه على أبناء شعبه، ألغى نظام التوريث، وعيَّن نفسَه وريثا لكل الذين يموتون من رعيته، لم يكتفِ بذلك بل بلغ به مرض النرجسية، والسادية أن يلتذَ بآلام شعبه، فأغلق عليهم مخازن الحبوب، ليستمتع بصرخات الأطفال الجوعى، والشيوخ، المحتاجين.
بعدئذٍ قرر أن يُعيَّن حصانه عُضوا في البرلمان، فأدخل حصانه إلى قاعة البرلمان، وأجبر أعضاء البرلمان أن يحتفلوا به، وأن يشاطروه الاحتفال، بأن يأكلوا معه وجبة مكونةً من الشعير والتبن.
لم يعترض على ذلك سوى عضوُ برلمانٍ واحد فقط، هو، براكوس، تمكن في النهاية من القضاء على هذا الطاغية!
أما سببُ تذكري لهذه المسرحية، هو وجه شبهٍ بين هذه المسرحية، وبين ما يجري اليوم على مسرح العالم، فهناك شخصياتٌ من حكام العالم قريبو الشبه بكاليغولا، يُشبهونه بدرجاتٍ متفاوتة.
فالرئيس الذي يظنُّ أنه مالك لدول العالم، أي أنه إمبراطور دولي، يملك كل سجلات الطابو في العالم، هو أيضا مصابٌ بدرجة ما بهذا المرض،
فمنْ يُعطي أرضَا لا يملكها، لوطنٍ لا يملك الأرض، هو مريض بمرض الكاليجولية!
حقيقةً، إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يحمل بعض جينات هذا المرض الكاليغولي، ظهرت أعراض هذا المرض في اعترافه بضم القدس لإسرائيل، متجاهلاً كل القوانين والأعراف الدولية، دفعه مرضُه إلى أن يصنع وليمةً مكونة من تاريخ القدس وحضارته، يقدمها في صحنٍ ذهبي للمحتل الإسرائيلي. ثم أهدى هضبة الجولان لإسرائيل، قرباناً لبناء الهيكل الثالث، متجاهلاً أبجديات حقوق الإنسان، والقوانين الدولية!
يبدو أن مرض الكاليغولية قد استفحل عند ترامب، بعد أن تخلَّص من العقلاء المحيطين به واحداً وراء الآخر!
نشرتْ صحيفةُ هآرتس، يوم 15-4 -2019 نيَّتَهُ إصدار فرمانٍ جديد، ضمن خطته صفقة القرن ، يقضي بضم منطقتي، الباقورة، والغمر، لإسرائيل، وهما ملكية خالصة للأردن، لا جدال فيهما، والغريب أنه سيعوِّض الأردن عنهما بمساحتين متساويتين، ليستا ضمن حدود إسرائيل، بل ضمن حدود المملكة العربية السعودية!!
ويبدو أن صفقات قرن الرئيس الأميركي، ترامب ستتوالى، فهو يُقرر تأسيس كونفدرالية، أردنية فلسطينية، ملفها الأمني بيد إسرائيل، سيقوم كذلك بإهداء الكتل الاستيطانية، ومنطقة ج الفلسطينية إلى المحتلين الإسرائيليين! وأن يمنح الفلسطينيين الغزيين أراضيَ في صحراء سيناء، للدولة الفلسطينية النهائية.
وإذا أضفنا إلى ما سبق، قرار الرئيس الأميركي بحجب الأموال عن الأونروا ، وهي وكالة اممية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك حجب الأموال عن السلطة الفلسطينية، وسحب المؤسسات الأميركية التي تقدم المعونات للفلسطينيين؛ فإن ذلك يُقرِّبُ الشبه بين مرض كاليغولا، ومرض دونالد ترامب، بل إن ترامب تفوَّق في بعض جوانب المرض على كاليغولا، حين وافق على فصل أطفال المهاجرين المساكين عبر حدوده مع المكسيك عن آبائهم، ليُجبر آباءهم على عدم الإقدام على الهجرة، ما يجعل هذا الفعل أبشع جريمة تُرتكب في حق الأطفال الأبرياء في التاريخ كلِّه!
هل تمكَّن المرضُ من ترامب لدرجة أنه صار يعتقد بأنه المالك الأوحد للعالم كلِّه، وأن دول العالم بمَن عليها، وما عليها ليست سوى عقارٍ من عقارات الرئيس، دونالد ترامب، تقع جميعها ضمن صفحات كتابه المشهور (فن الصفقة) ؟!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية