ضياع "الريسان" يضيق بأصحابه
تضيق به الدنيا كلما وقف أسفل الجبل، سارحا بالطريق الذي شق قسرا صعودا نحو أرضه، تلك التي لم يفارقها أبدا منذ صغره، ليفلحها ويزرعها، وينام فيها كلما تعب، ضاربة جذور عشقه فيها لخمسة عقود من العمل، والحب، والارتباط، والتمسك. لكنه فارقها قسرا.
كانت البداية قبل نحو 7 أشهر. حينها، شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي بشق طريق أسفل جبل الريسان التابع لقرية رأس كركر غرب رام الله ، والقرى المحيطة (خربثا المصباح، وكفر نعمة). وعلى سفح الجبل، نصب المستوطنون خيما، يترددون إليها، ويقيمون احتفالات، وزيارات باستمرار، وزرعوا أشجار زيتون على أرض رزق نوفل (57 عاما)، وهذا ما جرى. "وفق تقرير أعدته وفا"
هرع نوفل وأهالي القرية للتصدي لجرافات الاحتلال التي شرعت بشق الطريق، وتم قمعهم بالقوة، وسيطرت سلطات الاحتلال على الجبل (ارتفاعه 580م)، ومساحته 1000 دونم.
منع الاحتلال نوفل من رأس كركر من زيارة أرضه منذ تلك الحادثة. ولم يعد يلتقط الميرمية والزعتر من أرضه كما اعتاد سابقا.
يقول نوفل، "إن الاحتلال يتذرع بأن الجبل يعتبر "أراضي دولة"، وأنها قامت بتأجير شركة استيطانية، لتقوم بزراعة الأرض فقط. لكن نحن على يقين بأن الاحتلال يمهد لشيء عظيم في المنطقة".
وأضاف: "قمنا برفع قضية عن طريق محامي هيئة الجدار والاستيطان لدى محكمة الاحتلال، لكن الأخيرة رفضت الاعتراض الذي تم تقديمه، بحجة أن الأراضي تعتبر متروكة "تتبع للدولة"، وكانت الصدمة كبيرة بفقدان الأرض".
وتابع، "ذلك الجبل كان المتنفس الوحيد لي من هموم الدنيا ومشاكلها، وتعقيداتها، ويعتبر أهم موقع في القرية، ويطل على المدخل الرئيسي. هو متنزه أيضا للعائلة وللناس لما فيه من أشجار معمرة وطبيعة خضراء، وتحيط به قرى خربثا المصباح، وكفر نعمة، وبلعين، وهي أيضا المتنفس للقرية المحاطة من جهة الغرب بمستوطنة كريات سيفر، ومستوطنتي دولب وتلمون من جهة الشرق".
ويستطرد "منذ 7 أشهر، لم أزر الجبل، هذه الفترة بالنسبة لأي إنسان عادي قصيرة، لكن في حساباتي الفترة طويلة جدا، أعد الأيام شوقا للحظة التي أدخل بها الأرض، وهذا حلمي".
ويقول، "لي فيها ذكريات الطفولة، وذكريات الأجداد التي ورثناها عنهم، أتذكر اللحظات التي قضيتها مع العائلة، نلتقط الميرمية، والنعنع، ونزرع القمع والشعير، أحلم اليوم بالعودة للأرض وأقبل ترابها، اشتقت لها، كيف لا وأنا عشت في الأرض أكثر من 50 عاما، كنت أطمح أن أبني لأولادي فيها، لكن للأسف، حرمنا من المتنفس الوحيد لنا".
يؤكد نوفل أن هذا هو الاحتلال كعادته، اعتداءاته تطال البشر والشجر والحجر.
من جهته، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف لـ"وفا"، إن منطقة الريسان ممتدة بين مجموعة من القرى الفلسطينية، التي تسعى إسرائيل إلى ربط الكتلة الاستيطانية التي تبدأ من مستعمرة عطيرت شمال غرب رام الله، مع مستوطنة حلميش، وتلمون ودولب غرب رام الله، ثم باتجاه هذا الجبل، الذي يشكل نقطة الربط بين هذه الكتل الاستيطانية مع أراضي الـ48 بالقرب من نعلين، مع مستعمرة موديعين عيليت، وكريات سيفر.
وأضاف: "بالتالي تشكيل كتلة استيطانية متصلة تربط المستوطنات مع أراضي الـ48، كون الموقع مشرفا على مطار اللد، وعلى المنطقة الساحلية من فلسطين، من عسقلان إلى يافا، ونتانيا، وهذه الكتل هي أحد الخطوط العريضة والمحاور الأساسية للخطة الاستيطانية لتقسيم الضفة الغربية إلى كنتونات. وهذا يؤدي إلى تقسيم قرى غرب رام الله، ويحقق مجموعة من الأهداف الأمنية والاستعمارية".