خلال الأشهر المقبلة
هل ستعجز السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب الموظفين؟
أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الليلة الماضية مخاوف الموظفين في قطاع غزة والضفة الغربية من عدم صرف الرواتب خلال الأشهر المقبلة.
وتحدث الرئيس عباس ، أمس السبت، عن قضية رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، مشيرا إلي أن إسرائيل خصمت 182 مليون شيكل من أموال الضرائب "المقاصة".
وقال الرئيس عباس خلال استقباله بمقر الرئاسة في مدينة رام الله ، وفدا من طلبة جامعة هارفرد الأمريكية : "نحن الآن نعاني كثيراً من فقدان جزء كبير من أموالنا والتي تعادل 70 % من موازنتنا، فاضطررنا إلى صرف نصف رواتب الموظفين، وربما الشهر المقبل 40%، وبالنهاية قد نضطر لعدم دفع الرواتب ومصاريف المؤسسات، والسبب هو حكومة إسرائيل".
ويرى الخبير والمحاضر الاقتصادي نصر عبد الكريم ان تصريحات الرئيس عباس يمكن قراءتها في سياقين الأول سياسي والأخر اقتصادي.
وقال :" حديث الرئيس عباس أمام طلبة من جامعة هارفرد الامريكية يهدف لإيصال رسالة للمجتمع الدولي والإدارة الامريكية للضغط على اسرائيل وهو يراهن على ان تقوم هذه الدول بالضغط على الاحتلال لوقف الاقتطاع غير المشروع لأموال المقاصة".
وأوضح عبد الكريم ان الاجراءات الاسرائيلية ستؤثر على قدرة السلطة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها للموظفين وغير الموظفين ، وهناك أزمة مالية متصاعدة قد تجر المنطقة لاتجاهات غير مرغوبة دولياً أو حتى عربياً وهذا لن يكون في مصلحة الاستقرار والسلام في المنطقة.
إقرأ/ي أيضا: الرئيس عباس: ربما نصرف 40% من رواتب الموظفين الشهر المقبل
أما فيما يتعلق بالسياق الاقتصادي ، شدد عبد الكريم ان حديث الرئيس عباس كان واقعياً جداً ، لأنه إذا استمرت اسرائيل في هذا السيناريو واقتطاع أموال المقاصة وكذلك استمرار السلطة في رفض استقبالها ، فبالتأكيد سيضع الحكومة والسلطة أمام مأزق مالي يتصاعد ويتراكم على الاقتصاد الكلي.
وقال :" ستجد السلطة الفلسطينية نفسها غير قادرة على دفع كل رواتب الموظفين وستضطر لدفع جزء منها".
وبين عبد الكريم ان السلطة الفلسطينية يمكنها دفع رواتب الموظفين إذا كان هناك فقط ما تجبيه محلياً 400 مليون شيكل في الظروف الطبيعية ، ولكن إذا استمرار الجفاف الاقتصادي وبدأت القدرة الشرائية بالتراجع والسيولة تنضب من الاقتصاد فإن ذلك سينعكس على الجباية المحلية.
وأضاف :" ما ذهب به الرئيس عباس هو الى حد كبير واقعي ، ويريد ان يقول للموظفين تدبروا أموركم وهو في إطار التحضير لما هو قادم".
وفي 17 فبراير/ شباط الجاري، قررت إسرائيل خصم نحو 139 مليون دولار (سنويا) من عائدات الضرائب (المقاصة)، كإجراء عقابي على تخصيص السلطة الفلسطينية جزءا من هذه الإيرادات لدفع رواتب للمعتقلين وعائلات الشهداء.
وفي 8 يوليو/ تموز 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانونا لاقتطاع جزء من أموال المقاصة.
ورجح عبد الكريم ألا تغير الحكومة الاسرائيلية موقفها في ظل الانتخابات الاسرائيلية المقبلة وكذلك السلطة حيث اخذت قراراً سياسياً بعدم استلام أموال المقاصة منقوصة.
وقال :" هناك ضرورة لوجود طرف ثالث للضغط على الاسرائيليين أو تقديم تطمينات وتعهدات للسلطة بأن هذا الاقتطاع سيزول مع نهاية الانتخابات الاسرائيلية".
ودعا عبد الكريم الى ضرورة اتخاذ إجراءات تدبيرية من قبل الحكومة الجديدة تبنى على واقعية ومصارحة ومكاشفة وتوزيع عادل للموارد البشرية وإدارة حكيمة ورشيدة.
وأضاف:" يجب على الحكومة الجديدة تصحيح وتصويب الأفكار والسياسيات الخاطئة التي ارتكبتها الحكومة السابقة وافقدت الشعب الفلسطيني جزء مهم من قدرته على المواجهة على الصعيد الاقتصادي .
وكان وزير المالية شكري بشارة أعلن في العاشر من الشهر الحالي، عن قرار بصرف نصف راتب للموظفين بحد أدنى 2000 شيكل، مشيراً في ذات الوقت، إلى مساعٍ لصرف رواتب بنسبة 60-70% خلال شهري أيار وحزيران المقبلين شهر رمضان و عيد الفطر .
إقرأ/ي أيضا: بشارة يكشف قرارات الحكومة حول الأزمة المالية ونسبة صرف رواتب الموظفين
من جهته قال المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة ان أموال المقاصة تمثل المصدر الأول لموازنة السلطة الفلسطينية ويعتمد عليها في تغطية المصاريف الجارية ورواتب الموظفين.
وأوضح ان المصدر الأول لإيرادات السلطة الفلسطينية أصبح مهدداً بسبب الجانب الاسرائيلي ومن الممكن ان يدخلنا في أزمات عميقة جداً.
وأشار أبو مدللة الى ان حديث الرئيس عباس بالأمس حمل رسائل عنوانها الأول ان اسرائيل تقوم بعملية قرصنة على الأموال الفلسطينية وهذا ليس من حقها ، والثاني رسالة للعالم بان السلطة في طريقها الى الانهيار ، وإذا حدث ذلك ستكون حالة من الفوضى وبحثوا عن البديل.
وبين ان هذه الرسائل هدفها دفع المجتمع الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية للضغط على اسرائيل لإرسال المستحقات الفلسطينية كاملة للسلطة.
وقال أبو مدللة :" هناك تراجع في المنح العام الماضي، حيث بلغت 570 مليون دولار وهي في تراجع إذا ما قورنت في العام 2011 و2008، التي كانت تفوق المليار ونصف المليار دولار تقدم للسلطة الفلسطينية".
وأضاف :" من حق الموظفين ان ينتابهم الفزع والخوف ، والمطلوب من السلطة البحث عن مصادر بديلة ، بعيداً عن فرض ضرائب على عاملة الناس ".
وأشار الى ان صرف جزء من رواتب الموظفين أدخل الاسواق والاقتصاد في أزمة حقيقة لان جزء كبير من الموظفين عليهم قروض للبنوك والسيولة أصبحت شبه معدومة في أسواق غزة تحديداً.
وبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين فلسطين وإسرائيل في 1994، تقوم الأخيرة بجمع الضرائب على البضائع التي تمر عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتحولها شهريا إلى الحكومة في رام الله.