خلال ورشة عمل نظمتها نقابة الصحفيين تم مناقشة الخطة الاستراتيجية للنقابة خلال الأعوام الخمسة القادم 2019-2023. الخطة شكت وثيقة مهمة سواء في ديباجتها التي تناقش واقع المهنة والبيئة الحاضنة له أو في تطلعها للمستقبل بغية تطوير هذا الواقع وتحسين تلك البيئة من الاشتراطات الداخلية إلى السياقات الخارجية من خلال الاتفاقيات والمعاهدات والمؤسسات.

خلال السنوات الأخير برز دور النقابة بشكل كبير ونجحت في رفع مستوى انخراطها في الشأن العام كممثلة عن الجسم الصحفي ومدافعة عنه. ورغم ما تعرضت له من مضايقات في غزة واغلاق مكتبها بعد الانقلاب إلا أنها وفور إعادة فتح المكتب نجحت في فرض نفسها كجسم تمثيلي للصحفيين ومعبرة عن أزماتهم ومشاكلهم ومدافعة عنهم. لقد شكل حضور النقابة في غزة نافذة جديدة في العمل النقابي في غزة من خلال ما قامت به النقابة من مهام وانجزت من مشاريع وأدت من أدوار، كلها ساهم في إعادة الاعتبار للمهنة ولممارسيها. بالطبع لم يكن لامر بلا صعوبات لكنه كان ممكناً رغم كل شيء، وشيء يعتد به.

أيضاً بجانب الحضور العام للنقابة في المحافل الدولية والمؤتمرات ذات الصلة. المؤكد أن مثل هذا الدور المتنامي شكل إضافة جديدة يجب العمل على تطويرها والارتقاء بها، إنها الغاية التي تصبو الخطة الاستراتيجية لتحقيقها. البحث المستمر عن عملية التطوير يجب أن يشكل هاجساً مستمراً أيضاً بغية ان توائم النقابة التطورات المعاصرة في عالم الإعلام وتنفتح على التحديثات الواجبة في ذلك. الخطة تشير إلى ذلك بشكل واضح من خلال اقتراحها تطوير الاعلام الجديد ووسائله سواء من جهة استخدام النقابة له او من خلال إدراجه ضمن برامج التدريب الخاصة بالاعضاء. لاحظت الخطة ان صفحة النقاب على الفيس بوك في الضفة الغربية متوقفة منذ سنوات وأن الصحفة لا يوجد عليها أكثر من ألف زائر، اما صحفة النقابة في غزة مازالت فاعلة ونشطة ولكن لا تحظي بأكثر من ألف زائر. تبدو هذه كارثة عند ملاحظة أن الامر يتعلق بمؤسسة الصحافة الأولى في البلاد، وهو بحاجة لتطوير. اما فيما يتعلق بالشق الثاني فإن النقابة بحاجة لأن تواكب التحديثات في الإعلام المعاصر وتدرب أعضائها عليها وهي بحاجة لعقد مؤتمرات مستمرة حول ذلك.

من الأشياء الهامة التي أثارتها الخطة هو نية النقابة تطوير مرصد للحريات. وربما يكون هذا الاقتراح بوجهة نظري أهم ما ورد في الخطة لجهة تمكين النقابة من الاشتباك لصالح الحريات ولصالح البيئة الموائمة للعمل الصحفي. صحيح أن هناك عشرات التقارير حول واقع الحريات ومنها واقع حرية التعبير عن الرأي ولا يمكن نسيان ما يقوم به مركز مدى في ذلك تحديداً كمركز متخصص، لكن من المهم التأكيد ان دور النقابة غائب. لا يوجد تقارير حول واقع الصحافة في فلسطين. نريد أن نعرف كم وسيلة إعلامية في البلاد وكيف يتم تصنيفها، وكم وسيلة تم تسجيها كل عام، وكم طالب تخرج من كليات الإعلام وما هي التخصصات الفرعية التي درسوها، إلى جانب الحاجة لمعرفة الانتهاكات والمعيقات والحوافز. ما ارمى إليه أن هناك الكثير من البيانات الغائبة، والتي قد تتوفر بشكل مبعثر في أكثر من إحصاء، لكنها لا تتوفر في منشور واحد. هذا المنشور هو تحديداً من اختصاص النقابة. وعليه فإن التخطيط لاقامة المرصد وتدريب كادر متخصص من النشطاء الحقوقيين الإعلاميين يبدو مهمة في غاية الأهمية يجب العمل على إنجازها ليس دفاعاً عن الحريات فحسب، وهذا أمر مطلوب، ولكن إلى جانب ذلك من أجل توفير البيانات عن واقع الصحافة والاعلام في فلسطين.

وغم إشارة الخطة إلى العلاقة مع الجامعات إلى أن أحد الأشياء المفقودة هو علاقة النقابة بالجامعات ليس من جهة الزيارات والمجاملات بل من جهة اشتراك النقابة فعلياً في بعض القضايا التي تهم الصحفيين بعد تخرجهم. طبعاً النقابة ليست جهة تنفيذية ولا هي هيئة تقوم بالإشراف على العملية التعليمية في قطاع الصحافة لكنها مع ذلك يجب أن تكون جزءاً من انتاج العملية التعليمية. بأي معنى؟ بمعني أنها يجب أن تستشار فيما يتعلق بالمنهاج خاصة خلال عملية التحديث والمواكبة. كانت جداتنا يقلن العلم في الراس مش في الكراس، وبمعنى آخر فإن الخبرات هي أساس العلم والعلم ليس إلا تسجيل للملاحظات القائمة على الاستنتاج، بكلمة أخرى هو تسجيل للخبرة التي بات يدركه المرء. في هذا الجانب فإن أشراك الصحفيين الأكفاء وأصحاب الخبرات يبدو هاما في وضع المنهاج، خاصة أن مهنة الصحافة مهنة متطورة ويدخل عليها كل يوم شيء جديد يستند على ما يمارسه الصحفي لا ما يتعلمه. إنها عملية مستمرة ولا يوجد فيها قوالب ناظمة. وربما يغدو من الماضي الحديث عن بديهيات المهنة في الماضي.

لكن أيضاً وربما تبدو هذه الملاحظة الأهم فإن اقنصار الخطة على تطوير النقابة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم النظر إلى شمل الصحفيين في الخارج ضمن الإطار النقابي يظل نقطة القصور الأهم فيها. لنتذكر كان ثمة اتحاد عام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وكان واحداً من أهم الاتحادات الفاعلة. مع إنشاء السلطة ودمج اتحاد الكتاب الفلسطينيين فرع الداخل تم فصل الجسمين: جسم الكتّاب وجسم الصحفيين. وصار هناك اتحاد عام للكتاب والادباء ولم يتم إنشاء اتحاد للصحفيين، بل ظلت نقابة الصحافيين التي كانت موجودة تمثل جسم الصحفيين. لم يتم تمديد مهامها لتشمل الصحفيين الفلسطينيين في الخارج. وعليه إذا كان ثمة حاجة لتطوير عمل النقابة في فترة السنوات الخمس الماضية كما تطمح فيجب أن يكون تجاه البحث عن تعميمها لتكون اتحاداً للصحفيين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، لاعادة الاعتبار لكينونتها التمثيلية كجسم تمثيلي جامع لكل الصحفيين الفلسطينيين وما لهذا من انعكاسات على السياق التمثيلي الذي يربط الكل الفلسطيني بعضه ببعض.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد