لو أن عملية الطعن الأخيرة التي جرت في تل أبيب على يد مواطن فلسطيني مستقل تنظيماً، والتي تدل بشكل واضح على ضيق المواطنين الفلسطينيين ذرعاً بالاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ خمسة عقود متوالية، قد جرت في القدس ، كما كان حال عمليات مشابهة سابقة، أو لو أنها جرت في إحدى مناطق الضفة الغربية، لكانت أشد إيلاماً، ولأحدثت ضغطاً إضافياً على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها الذي بات يكافح من اجل البقاء في الحكم، والذي يشعر بالضغط المتزايد من جراء انتخابات أكثر صعوبة عليه من سابقاتها، نظراً للتحديات التي تواجهه وتواجه حزبه وحتى تحالفه التقليدي مع الأحزاب الدينية واليمينية.
تنفيذ العملية في تل أبيب، في الوقت الذي أعاد فيه إلى الأذهان ظاهرة العمليات الاستشهادية التي جرت منذ عام 1999/ 2000، ورافقت السنوات الأولى للانتفاضة الثانية، دفع كافة الأحزاب وحتى المراقبين الإعلاميين الإسرائيليين للوقوف مع حكومة نتنياهو، والذهاب في الاتجاه الخطأ، بتحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن العملية، بدلاً من الاحتلال الإسرائيلي الذي هو سبب كل ما يحدث من عمليات عنف وعنف مضاد بين الجانبين، خاصة مع إغلاق كل فرص الحل السياسي، ومواصلة سياسة الاستيطان وتهويد القدس.
ورغم أن ردود الفعل تباينت بين أطراف السباق الانتخابي الإسرائيلي، إلا أن نظرة عابرة أو سريعة لما تطرحه الأحزاب والقوى السياسية المتنافسة يشير إلى ما يمكن وصفه بالحمى الانتخابية بين المتنافسين بين معسكري اليمين من جهة، واليسار والوسط من جهة ثانية، ثم بين أحزاب اليمين نفسها من جهة أخرى.
فاليمين الإسرائيلي الذي يواصل الحكم منذ نحو خمسة عشر عاماً بشكل متواصل، شهد خلالها اليسار ممثلاً بالعمل وميريتس تآكلاً متواصلاً، حتى كادت ميريتس أن تختفي، في حين لم يعد العمل يمثل المعارضة، كما كان حاله حين يخسر الانتخابات لصالح الليكود، كما حدث في الكنيست قبل الماضية، حين مثلت المعارضة عبر حزب كاديما. اليمين الإسرائيلي يدخل هذه الانتخابات وفق سباق انتخابي مثلث الأضلاع، تمثله أحزاب الليكود، إسرائيل بيتنا، والبيت اليهودي، ولكل منها برنامج انتخابي، اقل ما يمكن أن يقال في هذه البرامج، إنها تمثل مزاداً علنياً للتنكر للحقوق الفلسطينية، ومواصلة شن الحرب على كل ما هو فلسطيني.
فالليكود رفع شعار القدس الموحدة تحت السيطرة الإسرائيلية، كما فعل عام 1996، وهو يعلم بأن شعاراً كهذا يغلق أي نافذة لفرص معاودة التفاوض مع الجانب الفلسطيني، فيما كان "البيت اليهودي" قد رفع شعاراً ضد قيام الدولة الفلسطينية بشكل تام ومطلق وبالتالي ضد حل الدولتين، على اعتبار أن "يهودا والسامرة" هي أراض موعودة للشعب اليهودي، ولأنه أصلاً ما زال حزباً يمثل المستوطنين بالأساس، فيما كان شعار "إسرائيل بيتنا" هو التطهير العرقي، وإقامة الدولة اليهودية من خلال التبادل السكاني وعدم الاكتفاء بتبادل الأراضي فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما يعني الهجوم على حقوق المواطنة المكتسبة لنحو مليون وربع مواطن عربي/ فلسطيني من مواطني إسرائيل، الذين صمدوا وتشبثوا بوطنهم رغم كل أشكال التنكيل والتمييز العنصري، التي تمارس ضدهم منذ إقامة دولة إسرائيل.
بذلك، يمكن القول إن ما يجمع برامج اليمين الإسرائيلي بأحزابه الرئيسة الثلاثة هو الجانب الأمني/ السياسي الذي يواصل بث الكراهية ويبقي على أجواء الحرب والعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فيما أحزاب اليسار والوسط، لا تظهر بالمقابل برنامج أو حتى برامج، بل ولا حتى نقاط برنامجية تشير إلى تصور خاص بالعملية السياسية، وفي الحقيقة فإن هذه الأحزاب والتي تعارض اليمين الحاكم وتعتمد على ما أهمله خلال السنوات الماضية فيما يخص القضايا الاقتصادية والاجتماعية بجمهورها اليهودي بالأساس كمادة للفوز أو لتحقيق نتائج انتخابية جيدة على أبعد تقدير.
أما المصالح والقضايا الخاصة بمثلث التجمعات الفلسطينية إن كان في الضفة والقدس أو غزة أو مناطق الـ 48، فإنه لا بد من القول إنه لا يصلح لها إلا العمل وفق المثل الذي يقول "ما بيحك جلدك إلا ظفرك" وحيث إن الأحزاب الإسرائيلية/ "اليهودية" الرئيسة والتقليدية منها قد دخلت الانتخابات على قاعدة شن الحرب على فلسطينيي الداخل من خلال رفع نسبة الحسم، فلم يعد لدى العرب في إسرائيل سوى التوحد والاعتماد على النفس، وليس المراهنة على الفروقات بين الأحزاب الصهيونية بيمينها ويسارها، كذلك فقد جاء تبكير الانتخابات بعد شن حرب ثالثة على غزة، وبعد إغلاق الأبواب أمام مفاوضات التسعة أشهر والتي انتهت في مطلع نيسان العام الماضي، وبعد اندلاع صراع سياسي/ دبلوماسي مع القيادة والسلطة الفلسطينية، وبذا فإن مواصلة القيادة الفلسطينية الضغط من خلال معاودة محاولة التقدم بمشروع إنهاء الاحتلال لمجلس الأمن ومواصلة فتح التحقيق ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، وتحقيق التقدم في ملف المصالحة، كذلك المشاركة المكثفة للعرب في انتخابات الكنيست التي ستجري بعد أقل من شهرين من الآن، والظفر بأكثر من عشرة مقاعد في الكنيست العشرين، يعتبر مدخلاً لمواجهة التطرف الإسرائيلي القادم، والمتوقع مع مثل هذه الشعارات البرنامجية، حتى لو خسر اليمين الحكم.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد