لو قيض لأحدنا إحصاء الأحزاب الإسلامية العربية فقط لاستعصى عليه الأمر ولأصيب بالذهول حتما لكثرتها وتشظيها وادعاء كل واحدة منها أنها تمثل الاسلام الصحيح، ودونها يقع على حافة الاسلام أو مشوها له..

ولو سألنا "داعش" عن الفرقة الناجية من بين السبعين فرقة لقالت "نحن". ولو كررنا السؤال على جبهة النصرة والقاعدة وانصار الله وانصار الشريعة وجند الاسلام وكذلك الاخوان لقالت كل واحدة منها: نحن.

كل واحدة من هذه الفرق ترى في سلوك غيرها انحرافا عن الدين.

كل واحدة ترى في نفسها الوكيل الحصري المؤهل لتطبيق شرع الله على الأرض كل واحدة ترى نفسها وتنكر على غيرها حق الافتاء، وتطالبها بواجب الانضواء تحت لوائها.

كل واحدة تدعو المسلمين لمبايعة مشايخهم بوصفهم خلفاء أو أولياء أمور المسلمين، وتعد الخروج عن ولي الأمر خروجا عن الدين.

ما الجدوى من وجود هذا الكم الهائل من الحركات الاسلامية، سياسية كانت أم جهادية؟ وكيف يمكن التعامل مع رجل منهم يعتقد انه يحكم بأمر الله في حين أغلب من يوصفون بالعلماء يخالفونه الرأي؟

العاملون في هذه الحركات أضفوا نوعا من القداسة على حركاتهم واكسبوها نوعا من العصمة لكي تمتد إليهم تلقائيا فترفعهم إلى مرتبة أعلى من مرتبة البشر العاديين القابلة للنقد والتقويم.. هكذا يتم ربط قداسة الدين السماوي بحركة أرضية هي حزبهم أيا كان اسمه، و يصبح أي نقد لهؤلاء نقدا للدين وأي اخفاق لحركته بمثابة اخفاق للدين. ليت الأمر يتوقف عند اختلاف فقهي بل امتد ابعد من ذلك حتى رأينا تلك الحركات تذبح بعضها بعضا قبل الوصول الى السلطة في سوريا والعراق. وفي مصر احتاج "الاخوان" لثمانين عاما لاقناع الناس أن الاسلام هو الحل. كان عام واحد كافيا ليثبت انهم ليسوا الاسلام بل المشكلة، وعندما ازيحوا عن السلطة أريق دم كثير لاستعادة المفقود.

والحق أن الإسلام في أي منطقة لم يكن موضع اختبار ليفشل أو ينجح. مَنْ كان في الاختبار هم فصائل ما يطلق عليهم الإسلام السياسي عندما راحوا يطبقون الشريعة على الشعب لصالح حكامهم، بينما كانت دولة الخلفاء الراشدين تطبق الشريعة على حكامها لصالح الشعب. فهل يستويان ؟
إذا أعيانا البحث عن جواب السؤال السابق، إذاَ : لماذا لم تتوحد كل تلك الحركات كما هو الدين واحد جاء به نبي واحد وعرض رسالته في كتاب واحد هو القران؟. واضح أن النص الديني تتعدد قراءاته، ولأنه لا يفسر نفسه بنفسه يحتاج إلى جهد بشري لتفسيره، ومع اختلاف العقول المسلمة تختلف القراءات والتفسيرات فراح كل حزب يدعي احتكار تفسير النص القراني بشكل صحيح.

كل حزب يعتقد انه الممثل الشرعي والوحيد للسماء والناطق باسمها. كل حزب يظن أن له مواصفات مكتملة قادرة على معالجة كافة القضايا من منظوره الحركي .كل تنظيم يرى أنه يمثل الإسلام والمسلمين جميعا وليس جماعة من المسلمين حتى إذا ما شعروا بشئ من الانتصار راحوا يفركون أيديهم وكأنهم يقولون :"ألم نقل لكم."!؟ نحن فقط على صواب!

أليس من الاجدى اليوم البحث في جدوى انشاء مثل هذه الاحزاب على كثرتها وتنوعها وتشظيها على هذه الشاكلة وتصويب سلوكها، إذا كان الهدف من وجودها خدمة الاسلام فقط، كما يقال؟.

لم نسمع نقدا للرئيس التركي رجب طيب اردوغان عندما نصح إخوان مصر بحل التنظيم قبل أن يحدث للجماعة ما حدث من كوارث امتدت شظاياه إلى حيث وطأت اقدام الإخوان في دول "الربيع" العربي، ولا سمعنا اتهاما لحذيفة زوبع نجل القيادي في جماعة الاخوان حمزة زوبع عندما أطلق صيحته في مقال بعنوان : (حلوها يرحمكم الله 5-12-2014 ). في المقابل فان اطلاق مثل هذه الدعوة من مواطن عادي يمكن أن تجلب له تهمة الكفر أو الزندقة أو غيرها من التهم التي تودي بصاحبها إلى الهلاك.

شعار "الإسلام هو الحل" يبدو صحيحا إلى حد كبير. تقول به كافة الحركات الإسلامية وان كانت لا ترفعه بعدما أصبح حقا حصريا على جماعة الإخوان. ولا ينقص منه شيئا اعتبار الشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة النهضة التونسي بانه شعار فارغ درج علي ألسنة الشعوب وقادة الحركات الاسلامية، لكن تطبيقه أثار ريبة ولغطا كبيرين نالا من الشعار، وصار يقال أن الشعار صحيح. أما الذين يطبقونه. وأما كيف يطبقوه. فتلك هي القضية..

اذاَ، المشكلة تكمن في اسلوب الحكم الغريب الذي يطبقه أحزاب المسلمين. لذلكلا نرى إجماعا بين تلك الحركات الإسلامية على موقف واحد. وباسم الدين يتم ما معالجة الآخر المختلف بالقتل. فما كان يعرف ب"اليمن السعيد" أصبح خرابا بسبب الصراع بين أنصار الله وأنصار الشريعة، واستباحت تنظيمات إسلامية سوريا والعراق وعاثت فيها فسادا وتقتيلا في المسلمين وفيما بينهم، وباسم الدين تشهد ليبيا حربا أهلية منذ سنوات، ولم تتعافى تونس والجزائر بعد، فيما أكبر الدول العربية، مصر، مرشحة إما لامتداد الدمار والخراب إلى داخلها وإما الحكم.

كل فرقة تستند في ممارساتها إلى نصوص قرآنية "اكتشفت" فعاليتها وتماشيها مع أفكارها المتطرفة بعدما يتم انتزاعها من سياقها وتوظيفها لتلائم ما تذهب إليه، ويتناسى أؤلئك وهؤلاء أن لهم أرضا اسلامية تُحتل ومقدسات تُنتهك يوميا وتُدنس وشعبا يتعرض لابادة جماعية بطيئة، ولا مَنْ يحرك ساكنا - إلا ما ندر منهم - بل الأدهى والأّمّر أن بعضهم لا يشعر بالخجل والانحراف عن الدين ومخالفته عن قصد وهم يتعاونون مع المدنِس جهارا نهارا، ولو سألتهم لزعموا أن الله لم يأمرهم بعد بتحرير المسجد الأقصى. ربما لم يجدوا بعد تلك الآيات القرآنية لأنها تفضح جريمتهم!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد