بين فترة وأخرى يستعر نقاش بين الفلسطينيين يحمل قدراً من الخلاف على منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ويستل الفلسطينيون كل أدوات الصراع بينهم كعادتهم في أي نقاش وخصوصا أولئك الذين ينتمون لأحزاب وقوى موجودة في هيئات المنظمة عندما تشكك بعض القوى بشرعية تمثيل المنظمة للفلسطينيين.


أغلب الظن أن هذا نقاش لا لزوم له لأن الأمر ليس كذلك وهو ليس سببا للخلاف بين الفلسطينيين، وكم كان محزنا أن يجري الحديث عن فشل الاتفاق على بيان بعد لقاء موسكو الأسبوع الماضي وهو ما يمثل خط الفقر الوطني عمليا ويصلح للحكم على الأداء القائم لأن حركة الجهاد الإسلامي رفضت التوقيع على بيان يحمل نصا تمثل فيه المنظمة الشعب الفلسطيني، فقد أصبحت المسألة المحسومة منذ أربعة عقود ونصف العقد محل جدل وسببا في خلافات جديدة بين الفلسطينيين.


ينبغي القول إن منظمة التحرير الفلسطينية هي بيت معنوي لكل الفلسطينيين وهي تمثلهم أينما كانوا، ولم يكن شعار التمثيل يتعلق بالداخل الفلسطيني بالأساس بل الخوف من منافسة دول عربية على تمثيل فلسطين وليس منافسة بين الفلسطينيين أنفسهم. 


فقد جرى الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد أراده الفلسطينيون واختاروه في مؤتمر قمة الرباط العام 1974 بعد أن تشكلت المنظمة، وكانت مناطق 67 قد تم احتلالها وبدأ الفلسطينيون بعد منتصف ستينيات القرن الماضي يعيدون تجميع شتاتهم، فيما لم يكن كيان سياسي يعبر عنهم بعد النكبة أرادت المنظمة آنذاك إعطاءها شرعية التمثيل ولا نعرف حتى الآن إن كان هذا إنجازاً تاريخياً أم كميناً تاريخياً حسب الرواية.


فالرواية كما كتبها الأستاذ المرحوم محمد حسنين هيكل أن الفلسطينيين تقدموا في قمة الرباط وتحديداً قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بطلب للقمة بأحقية تمثيل شعبهم، وأن يتم الاعتراف بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد ولا أحد غيرها يمثل الشعب الفلسطيني لأن هناك دولاً أرادت تمثيلهم ولأن تجربتهم السيئة حين حكمت دول عربية مناطق 67 لم تحافظ عليها، وبالتالي قرروا أن يأخذوا الأمر على عاتقهم كفاحيا وسياسيا.


ضمن ما ذكره هيكل أن المرحوم الملك حسين رفض في البداية ذلك معتبراً أن الشعب الفلسطيني مسؤولية العرب جميعاً، وفي الاستراحة كما ذكر هيكل اجتمع زعيم عربي مع الملك وقال له: "إن الضفة الغربية قد ضاعت منك وللأبد ولن تعود، وإسرائيل لن تفرط بها وأنت لن تستطيع إعادتها فلماذا تتحمل هذه المسؤولية، الفلسطينيون مندفعون وسعيدون بمنظمتهم "بالنص فرحانين على حالهم" ويريدون أن يمثلوا أنفسهم ويستعيدوا أرضهم فلنعطهم ذلك وبدل أن نكون مسؤولين عن إعادتها هم من الآن فصاعدا مسؤولون ونحن مساعدون لهم من بعيد". 


هكذا تمت الموافقة على الشعار الذي انتقل للداخل الفلسطيني ولا نعرف كما ذكر إن كان إنجازاً أساساً أم لا أم لأنه أخلى المسؤولية العربية عن فلسطين، هكذا مثلت المنظمة الفلسطينيين الأمر ليس فلسطينيا داخليا، هذا تقرر عندما كان هناك خوف من أن يمثل الفلسطينيين غير الفلسطينيين ومن هنا يمكن القول إن النقاش الساذج الذي يدور لا لزوم له عندما تستل المسألة أحيانا في وجه حماس أو غيرها لأن المنظمة هي الممثل الشرعي حتى لو قادتها قوى معارضة فهي مثل الدولة والعلم ومؤسسات الدولة كأن يشكك مصري بأن الدولة المصرية تمثله أو أردني يناقش آخر بأن علم الأردن يمثله أو لا.


لكن المسألة غير ذلك فلسطينيا، فإما أن الفلسطينيين الذين يثيرون جدل شرعية المنظمة أم لا جاهلون بالتاريخ وبالبعد الذي يحمله الشعار وضد من فهو شعار ضد الخارج وليس ضد أية قوة فلسطينية، أم أنهم يعرفون ذلك ولكن تبرز المسألة بهدف تخويف أو إسكات المعارضين لقيادة منظمة التحرير وبالتالي هذا حرف لنقاش أن تضم المنظمة كل مكونات المجتمع الفلسطيني أم لا أو أن تمثل توازنات لهذا المجتمع.


التمثيل ثابت والشرعية أكثر ثباتا والعرب يريدون ذلك ولا يستطيع أحد تغييره، فذات مرة حاولت قطر أن تعطي في قمتها مقعد المنظمة لحركة حماس ولم يكن ذلك مدعاة للخوف فقد حاولت الحركة العمل على تشكيل منظمة موازية، وقال لنا أحد أبرز كوادر الحركة في اجتماع مغلق ذات مرة إنهم بدؤوا بحملة زيارات كانت افتتاحيتها مع العقيد القذافي الذي كان مناصراً لها قبل أن يحدث انقلاب الإخوان وقطر على العقيد، وعندما فاتحوه بالموضوع غضب تماما قائلاً "ابتعدوا عن المنظمة: إلا المنظمة" وهكذا أدركت حماس أن لا خيار أمامها إلا الانضمام للمنظمة لا تشكيل بديل عنها وأن أية محاولة بهذا الاتجاه مجرد عبث ولم تكمل نقاش المسألة مع أي زعيم عربي.


لذا فالمسألة خارج النقاش ويفترض أن يتوقف الفلسطينيون عن الحديث بهذا الأمر نهائيا، ولا أعرف لماذا يتم حشر المسألة في أي اتفاق بين الفلسطينيين هل لتفجير الاتفاق ؟ أم عن سذاجة مع سبق الإصرار؟ فهذا الأمر لا ينبغي إعادة تكراره أصلا فمثلا أي اتفاق بين أي نظام ومعارضيه لا يوضع بند اسمه أن الدولة هي ممثل للشعب فتلك ستبدو سذاجة سياسية والمنظمة هي الدولة المعنوية.


الأهم الذي يجب أن يناقشه الفلسطينيون هو نفس المنظمة وبرنامجها وأدواتها، فالمنظمة الحالية غير المنظمة السابقة فما بين منظمة شكلت جيشا للقتال ضد إسرائيل ومنظمة عقدت اتفاقا مع إسرائيل فرق كبير، فالمنظمة الحالية لم يعد بها جيش وتآكلت أطرها النقابية والاتحادات واستولت السلطة على جزء من صلاحياتها بما فيها التمثيل.


الأمر الآخر الذي يجب نقاشه هو تمثيل المنظمة للتوازنات الداخلية بشكل فعلي، فهناك تغيرات في المجتمع الفلسطيني قوى نمت وتصاعدت وقوى تآكلت، قوى لها أوزان حقيقية وقوى لا تستطيع الدخول في انتخابات وتمثيل الخارج في المنظمة بعد نقل كل ثقلها للداخل، تمثيل فلسطينيي الـ 48 وهو الملف المسكوت عنه.....تغيرات هائلة حدثت في بنية المجتمع الفلسطيني منذ ستينيات القرن الماضي لم يجر تعديل يوازيها داخل أطر المنظمة، هذا الأمر مدعاة للنقاش أما التشكيك بشرعية تمثيل المنظمة للفلسطينيين فهو نقاش جامد منفصل عن واقع شديد التغيير ويحتاج إلى تحرك يوازيه في المؤسسة نفسها لأنها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. لقد تحررنا من أن يمثلنا غيرنا ولكن يجب أن نمثل أنفسنا ....وبجدارة...!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد