«يا ملائكة الموت الْعَنِيه، واضربيه، أينما حلَّ وارتحل، واجعلي روحه تُغادر جسده، وليتشتتْ فكرُه، إنه (....) ابن..... (اسم الأم) وليتحول جسده إلى شبحٍ مُصابٍ بالطاعون، ولتكن المصائبُ قدرَه، تخنقه، ولتَزُل ثروتُه، وليُعقد لسانُه، إلى أن يموت.... ولتَحُلُّ عليه كلُّ لعنات التوراة، ألا، لعنة الله عليه، لعنة الله عليه، لعنة الله عليه»


منظومة اللعنات السابقة المضادة للحياة! مقتبسة من كتاب (الزوهر) اليهودي، ومن التلمود البابلي، تُسمَّى (بولسا دنيورا)! 


استُعمل هذا السلاح ضد معظم الإسرائيليين اليساريين في إسرائيل، وأبرزهم، إسحق رابين، لأنه وقع اتفاق أوسلو، ثم أرئيل شارون، لأنه انسحب من مستوطنات غزة ، وطالت أيضا المستوطن، نفتالي بينت، لأنه وافق على قانون تجنيد الحارديم!


أخيرا، طالتْ قذائف الأدعية السابقة رئيس بلدية عكا، رون كوبي، والسبب أنه رفض إغلاق المحلات في مدينة عكا يوم السبت، ولأنه يحارب تكاثر الحارديم في المدينة، قال في صفحته على الفيسبوك: «إن طائفة الحارديم المتزمتين، (في مدينة عكا) أقامت طقسَ لعنة، بولسا دنيورا على قبر جدي، مشلوف كوبي، في مقبرة عكا»!! (من صفحة رئيس بلدية، عكا، رون كوبي في الفيسبوك، يوم 7-2-2019 ).


استخدم المتدينون اليهود هذا السلاح منذ زمنٍ بعيد، استخدموه ضد بعض الفلاسفة اليهود المتنورين، ومن أبرز هؤلاء، الفيلسوف اليهودي الهولندي، باروخ إسبيونوزا، في منتصف القرن السابع عشر، لأنه أنكر هرطقات المتدينين، فقرأ تعاليم التوراة بعقله، وليس بعقولهم، فما كان منهم إلا أن حاصروه في هولندا، وطبقوا عليه لعنة (شيريم)، وهي قصف ليس بسلاح بولسا دنيورا السابق، بل بقذائف لعنة شيريم، هي طقوسٍ مُذلة،  يُطرد فيها الملعون من الدين اليهودي على وقع موسيقى حزينة، حيث تُطفأ الأضواء واحدا بعد الآخر، عند بوابات الكنيس، حيث أُجبر على أن يجثو صاغرا ، بين أقدام الحاخامين، إشارة إلى خروج روحه من الدين اليهودي!!


أنَّ غياب الجرعات الثقافية التنويرية في بعض الأزمان وفي بعض الدول، أتاح لهذه الدعوات فرصة لكي تُحدث تأثيرَها المُرعب، ولا سيما الذين لم يحصلوا على الجرعات الثقافية الكافية للتحصين ضد المهرطقين!


نجح سلاحُ الأدعية في إحداث الرعب في نفوس كثير من السياسيين، فقد اعتاد سياسيو إسرائيل، وعلى رأسهم، نتنياهو زيارة الحاخامين، فقد زار منذ عدة سنوات الحاخام الأكبر، وهمس في أذنه منتقدا اليساريين: «نسي اليساريون أن يكونوا يهودا»!!


للأسف، فإن زعيم حزب العمل (اليساري)! كرر القول السابق، متملقا المتزمتين الحارديم، خوفا من قذائف لعنات السعير، وطمعا في أصواتهم!!  كذلك فعل شمعون بيريس، وغيره ممن يُحسبون مثقفين، متنورين!


إن إقصاء المفكرين والمثقفين عن دورهم التنويري ليس مقصورا على الدين اليهودي فقط، بل طال منسوبي الأديان الأخرى، بعد أن أصبحَ التنويرُ والثقافة شذوذا، ولا خيار لبقايا المثقفين إلا أن يُعلنوا براءتهم من الثقافة والتنوير، ويرفعوا الرايات البيضاء أمام كتائب أدعية الهلاك، ويستسلموا لكتائب الجهالات!!


ابتكر كثيرون في معظم الأديان أسلحة أدعية العذاب، ونسبوها إلى بعض الأديان، وعزَّزوها بالقصص المرعبة، في محاولة منهم للتغطية على عجزهم، وقصورهم عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم العلمي!


إنَّ خطر هذه الأدعية لا يُشير إلى عجز مُردِّديها فقط، بل إنَّ خطرها يكمن في تفريغ شحنات الثورات في نفوس البسطاء، فيظنون حين يُرددونها سَرَّا أنهم ثاروا على الظلم، فيشعرون بالراحة، ويُحجمون عن الثورة والتمرد، فنحن أيضا حين نتعرض لظلم ذوي القربى، وقهر المحتل نردد هذا الجزء من الآية القرآنية: (حسبي اللهُ، ونِعمَ الوكيل)!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد