من المثير للانتباه ، أن معظم قادة الفصائل السياسية الفلسطينية، الذين يتصدرون المنابر السياسية ، يخاطبون دوماً الشعب الفلسطيني بلغه موحدة ، ذات نبرة حادة ، تدعو الشباب الفلسطيني للتضحية بأنفسهم من أجل الوطن و فدائه بدمائهم و أرواحهم، و هذا الشيء متعارف عليه منذ زمن، بسبب الرغبة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، و نتيجة للظروف الخاصة بالقضية الفلسطينية .
لكن من المستغرب أيضاً، أنه لا نجد في نفس الوقت خطابا سياسيا آخر، جديد و مختلف و لو قليلا، يدعو الشباب الفلسطيني للعمل من أجل بناء الدولة الفلسطينية، و تأسيس مستقبل حر على الأرض و ليس في القبر فقط.
لماذا لا يستعمل معظم القادة الفلسطينيين في خطابهم السياسي لغة الحياة، و تحرير الوطن بالعقل و الذكاء و ليس فقط بالدماء ؟
ومن الملاحظ أيضاً، أن معظم هؤلاء القادة الذين يتبنون الخطاب السياسي العنيف ، هم ينتمون إما لفئة الفكر السياسي الملحمي المرتبط عادةً بالبطولات الخارقة للقائد صلاح الدين الأيوبي في عصر الحروب الصليبية، أو فئة الفكر اليساري التقليدي المتأثر بأيدلوجية الاتحاد السوفيتي سابقا ، و الذي يتبنى في معظمه نظرية المؤامرة و أدوات الحرب الباردة.
و نحن الآن في القرن ل 21، و لا يوجد لدينا للأسف قادة سياسيين يتبنون الفكر الحديث المستنير و التنموي، الذي يتماشى مع روح النهضة و عصر التكنولوجيا ، و يختزل الجهد البشري، و يقدم حلول إبداعية للتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية و إنهاء الصراعات الدموية بالعالم ، عبر استخدام وسائل سلمية ، تحقن دماء الشعوب المتناحرة، وتحقق في ذات الوقت حلم الحرية و الاستقلال للشعوب المقهورة.
لذا ، لماذا لا نطرح على أنفسنا سؤالاً استراتيجياً، ألا وهو: لماذا كفلسطينيين لم نتحرر بعد مضي 70 عاما من الاحتلال، بالرغم من كمية الدماء الهائلة التي ضحى بها شعبنا؟ أين يكمن الخلل؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن بكل بساطه، بأننا كفلسطينيين لم نتحرر بعد من الأفكار و الأدوات التقليدية المستخدمة لتحرير وطننا، و التي لا تناسب ظروفنا الحالية، و لا تصلح لعصرنا الحديث ، والتي تجعلنا دائما نشعر بأننا ضحية، و غير قادرين على تغيير واقعنا الأليم، مما أدى ذلك لفشل قادتنا بإقناع قادة الدول العظمي بعدالة قضيتنا الفلسطينية ، وذلك بسبب سوء توظيف تضحيات الشعب الفلسطيني، و عدم استغلال قدرات الإنسان الفلسطيني للتحرر بطرق قانونية وسلمية ، تجعل الدول المتقدمة تناصر الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في الحرية و الاستقلال بدون تردد ، بدلاً من من أن تستمر بلوم الشعب الفلسطيني و المن عليه بحفنة من المساعدات الإنسانية.
يجب على القادة الفلسطينيين، أن يأخذوا بعين الاعتبار، ضمن مخططاتهم السياسية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، متطلبات السياسة الدولية الحديثة و الحضارة و التقدم العلمي، و أن لا تبقى عقولهم سجينة لنظم و أفكار و أيدلوجيات سياسية سابقة ومنهارة، وما عادت تصلح لزمننا هذا !
هناك بالتأكيد إشكالية كبيرة، بالفكر و النهج السياسي الذي يتبناه القادة الفلسطينيون، حيث يعتمد معظمهم على مبدأ أن الإنسان الفلسطيني هو مجرد أداة ووسيلة للتحرير و ليس هدفا للتحرير !
فوصل بنا الحال لمرحلة شبه انهيار هذا الإنسان الفلسطيني، بسبب فقدانه لمقومات الدعم و الصمود في الحياة، مما جعل ذلك هذا الإنسان الفلسطيني ، مجرد قنبلة موقوتة بيد السياسي ، يفجرها هذا السياسي بأي وقت يشاء من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة ، وذلك دون الاكتراث بروح هذا الانسان الفلسطيني المعذبة من الفقر و البطالة و الحصار و البؤس و الإحباط ، فأصبح عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين يهربون نحو الموت من أجل التحرر من شقائهم بوطن منقسم على نفسه.
لابد للفصائل السياسية الفلسطينية، أن تغير نظرتها المادية تجاه الانسان الفلسطيني ، فالانسان الفلسطيني لا يجب أن يُنظر اليه كسلاح بشري، بل كروح وطاقة بشرية إيجابية وحيوية لبناء الوطن، و كإنسان منتج و مبدع يتم تخليد ذكراه في كتب التاريخ، وكمساهم كبير لتطوير البشرية و بناء الحضارة وليس مجرد ضحية جسدية للاحتلال.
يجب أيضاً ، اعتبار الانسان الفلسطيني كمعول لبناء الوطن الحر المستقل ، و ليس فقط كقنبلة متفجرة، قد تنفجر في لحظة الذروة ، ثم تتناثر أجزائها في الهواء، و كأنها لم تكن ، و كأن هذا الانسان المنفجر لا يوجد له حياة سابقة و لا يوجد له أحلام و لا آمال و لا ذكريات و لا أحباء و لا أطفال و لا شيء.
هناك حاجة ماسة لمراجعة الحسابات السياسية الفلسطينية، وتجديد الفكر السياسي الفلسطيني، و النظر بشكل أكثر إنسانيه لحياة الشعب الفلسطيني الذي يستحق أن يخلده التاريخ ليس فقط، بسبب تضحياته من أجل التحرر من الاحتلال، بل أيضا لمساهمته في تطوير البشرية و بناء الحضارة.
أخيراً، لابد من القول، أن الشعب الفلسطيني يستحق أن يكون عنواناً للحياة و أملاً لمستقبل مشرق، و ليس فقط ضحية و كبش فداء لمغامرات سياسية و عسكرية غير محسوبة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية