ساعتان للحصول على "جرّة" غاز برام الله
رام الله / سوا / لم يكن مألوفاً مشهد الطوابير في المحطة الذهبية للتوزيع في المنطقة الصناعية ببيتونيا، قرب رام الله، أمس، حيث يصطف "المقطوعون من الغاز"، وبعضهم كبار في السن، لساعتين على أقل تقدير في المحطة، ويمكن القياس على ذلك وربما التعميم بالنسبة للمحطات الأخرى، لتعبئة جرّة أو اثنتين أو خمس، في البرد القارس والمطر، للحصول على ضالتهم، بعد انقطاع للغاز المنزلي لأكثر من أسبوع في مختلف محافظات الضفة الغربية، بل إن حضوراً لافتاً للمقدسيين كان في المحطة، من باب أن تعبئة الجرّة أقل ثمناً، وبأكثر من 35 شيكلاً عنها في القدس وداخل الخط الأخضر.
محمد الصعصاع، ويعمل ميكانيكياً، جاء دوره بعد قرابة الساعتين لتعبئة جرار الغاز المنزلية خاصته، قال، وهو في الانتظار: ما حصل في الأيام السابقة تسبب لنا بمأساة حقيقية .. لم يسبق أن مرّت عليّ أزمة كهذه .. لا يوجد ضمانات لعدم تكرار أزمة كهذه، ولكن "ما باليد حيلة".
وأشار الصعصاع، إلى أن المواطنين يساهمون أيضاً في الأزمة، حيث ينتظر الجميع حتى اللحظات الأخيرة ليعبئ عشر جرار دفعة واحدة، مطالباً المسؤولين، وفي أزمات كهذه، باتخاذ قرارات من قبيل تحديد عدد تعبئة جرار الغاز بجرتين للفرد كحد أقصى.
أما حسن اسعيد، ويقطن في بيتونيا، فوصف الفترة الماضية، أي فترة انقطاع الغاز المنزلي عن الضفة الغربية، بـ"البهدلة"، و"الظلم".. وقال: أيام صعبة، خاصة للأطفال .. عدنا إلى الحطب والكوانين، رغم معرفتنا بخطورتها، خاصة على الأطفال، ولكن لم يكن أمامنا خيارات، مع توقعاته أن تتكرر مأساة انقطاع الغاز، قبل أن أضاف متهكماً: بما أننا شعب الجبارين علينا أن نتحمل .. لا أريد إيصال أي رسالة لأي مسؤول، لقناعتي أن أي رسائل ترسل "ع الفاضي" .. "يعني هم مش سامعين ومش شايفين مثلاً".
وبعبارة "اللي بصير عمره ما صار"، اختصر أبو عماد الأمر، لافتاً إلى أنه عمل في شركة الغاز ببير نبالا، قبل أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، ولعشرين عاماً، ولم تحدث أزمة كهذه فيما يتعلق بالغاز المنزلي.
وقال: الغريب أن لا أحد من المسؤولين يفسر لنا ما يحدث .. لا أحد يعرف ما الذي يحدث... "واضح إنه المسؤولين ببردوش".
أما عبد الكريم حرفوش، فتطوع وآخرين، لتنظيم الدور في المحطة، كي لا تتفاقم الأزمة، وتسير الأمور على ما يرام، ولعل هذه الإيجابية الوحيدة التي رافقت مشوار "تعبئة الغاز"، أمس، لافتاً إلى أن "الأطفال وكبار السن والمرضى أكثر من عانوا في الأسبوع الأخير بسبب انقطاع الغاز المنزلي، وأنه وغيره لجؤوا إلى الحطب والكوانين، رغم خطورتها، وما تسبب به من أضرار مادية للبعض، بل ووفيات كما تناهى إلى مسامعنا".
وكانت مصادر في هيئة البترول الفلسطينية، طلبت عدم ذكر اسمها، أشارت لـصحيفة"الأيام" المحلية، أن سبب الأزمة يعود إلى الأحوال الجوية الصعبة، حيث أن الهيئة تستورد البترول من إسرائيل، وكون أن ما تنتجه إسرائيل من غاز في مصفاتي حيفا وأسدود، لا يغطي إلا 30% من احتياجاتها الداخلية، فهي تعتمد على الغاز الأوروبي لتغطية بقية احتياجاتها، واحتياجات مناطق السلطة الفلسطينية، وبسبب الأوضاع الجوية الصعبة لم تتمكن سفن الغاز من الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية في الوقت المناسب، ما أدى إلى انقطاع الغاز المنزلي في المناطق الفلسطينية وأجزاء كبيرة من إسرائيل، وكذلك في الأردن ومصر.
ولفت المصدر ذاته إلى أن الهيئة ناشدت أصحاب المحطات بتخزين أكبر قدر ممكن من الغاز، لتوقعاتنا بمثل هذه الأزمة، وأن الهيئة تعهدت بعدم ضخ أي كميات، حال انخفضت الأسعار، إلا بعد نفاذ الكميات المخزنة لديهم، علماً أن "الأيام" حاولت مراراً الاتصال برئيس الهيئة فؤاد الشوبكي دون طائل، في حين أشار نائبه محمد أبو بكر لـ"الأيام"، إلى أنه غير مخول بالتصريح للإعلام إلا الشوبكي!.
بدوره، أشار سلام الأصبح، مالك الشركة الذهبية لتوزيع الغاز، إلى أن العاصفة الثلجية والظروف الجوية الصعبة هي السبب الأساسي للأزمة، وأن الحديث عن انخفاض كان متوقعاً، ولم يحدث، على أسعار جرار الغاز في مطلع الشهر الجاري، دفع الكثير من أصحاب المحطات (شركات التوزيع)، ونحن لسنا منهم، إلى عدم تخزين الغاز بما تستوعبه مخازنهم، رغم تعهدات هيئة البترول بحل يحفظ للمحطات حقوقها، ولكن لم يستجب الجميع .. وقال: هذه الأزمات تحدث كل عام، وفي العامين الأخيرين هي أقل مما كانت عليه في الأعوام التي سبقتها.
وفي النهاية اختصر أحد كبار السن، ممن "انطفت مرارته"، حال البلد بما حدث في أزمة انقطاع الغاز، واكتظاظ محطات الغاز بمن "كتّوا" من البرد، بعضهم لأكثر من أسبوع أو يزيد، بالقول "شو بدنا نحكي .. لو الكلام بيحل مشاكل، كان كل مشاكلنا انحلت".