رفضت إسرائيل دخول أعضاء لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة إليها وإلى دولة فلسطين، هذه اللجنة مكلفة التحقيق بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة إثر عملية «الجرف الصامد». ولاية هذه اللجنة الزمنية هي ذات الولاية الزمنية لمحكمة الجنايات الدولية والتي تشمل ـ بأثر رجعي ـ كافة الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل الحرب الإسرائيلية الثالثة على القطاع وليس منذ إعلان فلسطين عن اختصاص محكمة الجنايات الدولية بعد انضمامها إلى المحكمة، إذ ان نفاذ اختصاص المحكمة لن يبدأ مع نيسان القادم، بل منذ الثالث عشر من حزيران 2014، من هنا يمكن فهم الأسباب الإسرائيلية وراء منع لجنة تحقيق مجلس حقوق الإنسان من دخولها إلى فلسطين، إذ ان إسرائيل تدرك أن الولاية الزمنية، لكل من لجنة حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية، يعني أن هناك رؤية أولية ـ على الأقل ـ بأن في واقع الأمر، أسبابا حقيقية وجادة ل فتح تحقيقات ـ أولية على الأقل ـ بشأن ما ارتكبته قوات الاحتلال في فلسطين عموماً، وفي قطاع غزة على وجه التحديد.
لم يكن من المتوقع أن تتجاوب محكمة الجنايات الدولية مع المطالب الفلسطينية، بهذه السرعة، عندما أعلنت المحكمة عبر الادعاء العام لديها من أنها ستفتح تحقيقاً أولياً في جرائم حرب محتملة بقطاع غزة والضفة الغربية في أول خطوة رسمية من المحتمل أن تؤدي إلى توجيه اتهامات لمسؤولين عسكريين ومدنيين إسرائيليين، في الوقت الذي ستعمل المحكمة على أساس فتح التحقيقات ـ كما أشرنا ـ بأثر رجعي، أي قبل الموعد المحدد لنفاذ اختصاصها، الأمر الذي قد يؤشر إلى أن تذهب العدالة لإنصاف الشعب الفلسطيني في مواجهة غطرسة ودموية الاحتلال، الأمر الذي يعتبر ثمرة لها أهميتها من ثمرات «تدويل القضية الفلسطينية» بعد الرهان على مفاوضات لم يكتب لها أي نجاح سوى تأكيد ثوابت إسرائيلية واقعية على الأرض الفلسطينية من خلال العملية الاستيطانية.
من المؤكد أن فتح تحقيق أولي، هو مجرد فحص روتيني لدى تبني المحكمة بصورة أولية البحث في أي جريمة من جرائم الحرب، وان الأمر قد يستغرق أشهراً وربما سنوات، إذ ان أمام المحكمة بعد فترة من الزمن تقييم الأمر والوصول إلى خيار واحد من ثلاثة خيارات: اعتبار ما تم الكشف عنه في التحقيقات الأولية، مسوغا لاعتبار الأمر بحاجة إلى فتح تحقيق جاد وشامل، أي قبول القضية بشكل نهائي، وخيار ثانٍ، فيما إذا لم تستكمل التحقيقات الأولية، بالإشارة إلى الاستمرار بالتحقيقات لحين التوصل إلى توصيات نهائية، أما ثالث هذه الخيارات، وهو الأسوأ بالنسبة لنا كفلسطينيين، هو الوصول إلى توصيات من خلال لجنة التحقيق الأولي، على أنه ليس هناك من مؤشرات جدية تؤكد على حصول انتهاكات هي من بين اختصاصات محكمة الجنايات، وبالتالي إغلاق الملف نهائياً!!
وإلى أن يتم هذا، أي التوصل إلى خيار من بين الخيارات الثلاثة، فإن استمرار بحث أمر الجرائم الإسرائيلية في الضفة وغزة، هو بمثابة معركة حقيقية، وهو ما تخشاه إسرائيل وأميركا، حتى قبل صدور أي قرار من المحكمة، ذلك أن استمرار البحث والتدقيق والفحص، من شأنه أن يحيل حكومة الاحتلال إلى محاكمة الرأي العام العالمي يومياً عبر وسائل الإعلام الدولية التي تتابع مجريات جهود محكمة الجنايات الدولية أثناء التحقيقات الأولية، أي ان مجرد وضع ملف جرائم إسرائيل موضع بحث، هو وحده كفيل باستمرار الحصار الدولي من قبل الرأي العام العالمي، لمزيد من فضح سياساتها وعدوانيتها وجرائمها بحق الإنسان الفلسطيني.
إن الخوف الذي أبدته إسرائيل، وكذلك أميركا من طرح جرائم الاحتلال على الرأي العام من خلال محكمة الجنايات الدولية، يشير فعلاً الى أن إسرائيل تدرك أكثر من غيرها أنها أقدمت على جرائم دموية بحق الشعب الفلسطيني، وإلاّ لماذا كل هذا الخوف والجزع؟! على العكس من ذلك، فإن ترحيب حركة حماس بفتح تحقيق أولي في جرائم الحرب الإسرائيلية واستعدادها لتزويد المحكمة بكافة الوثائق اللازمة، لهو دليل على أن الجانب الفلسطيني لم يرتكب سوى «جريمة» الدفاع عن النفس في وجه آلة الموت والدمار الإسرائيلية.
كل ذلك، لا يجب أن يدعنا أكثر اطمئناناً، فالمعركة طويلة ودقيقة، من هنا تأتي أهمية دعوة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للسلطة بالاستعداد الأمثل في إعداد الملفات التي من شأنها أن تقود قادة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية، وذلك من خلال لجنة وطنية مهنية في ظل مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية، إذ ان مثل هذه المواجهة القانونية والسياسية بالدرجة الأولى، تستوجب عملاً مهنياً دقيقاً، بعيداً عن الحساسيات السياسية والفصائلية والركون إلى الجانب المهني الوطني، علماً أن فلسطين، وبحكم التجربة والتاريخ، تستحوذ على عدد كبير من الأفراد والمؤسسات ذات السمعة الدولية الممتازة على الصعيد الدولي بشأن حقوق الإنسان، إن هذه المهارات يجب أن توظف في هذه المواجهة مع الاحتلال بعيداً عن أي تفرد فردي أو فصائلي، فالمعركة طويلة وشاقة ودقيقة والعدو الإسرائيلي ـ الأميركي مقتدر ولديه الكثير من الأدوات القادرة على لجم تحركنا الفلسطيني، من هنا، فإن المواجهة تستلزم حشد كل الكفاءات الوطنية الفلسطينية.. وما أكثرها!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد