خلقت التوصية الصادرة عن اجتماع اللجنة المركزية لحركة «فتح» يوم الأحد الماضي بتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير بدلاً من حكومة التوافق الوطني الحالية التي يرأسها د. رامي الحمد الله ردود فعل كثيرة غالبيتها سلبية تجاه الفكرة. فحركة «فتح» تبرر هذا التطور بوصول جهود المصالحة إلى طريق مسدود بعد فشل الجولة الأخيرة التي قام بها الأشقاء في مصر، حيث كان الخلاف يتركز حول تنفيذ اتفاق عام 2017 من حيث توقف أو العودة إلى اتفاق 2011، وبدء العملية من جديد. وبعد قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي وقيام « حماس » في غزة بمنع احتفالات انطلاقة «فتح» وإشعال الشعلة والاعتداء على قيادات فتحاوية في مقابل سماحها لتيار محمد دحلان بالقيام بالاحتفال وتسهيل إجرائه، ازدادت الأمور تعقيداً، حتى وصلت إلى أزمة شاملة لا يبدو أن حلها ممكن أو في متناول اليد في المدى القريب. ولهذا ترى قيادة «فتح» أنه لم يعد بالإمكان البحث في مصالحة أو الإبقاء على حكومة كانت فكرة تشكيلها هو بسط ولايتها على كل المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة وغزة. وأن الحكومة الجديدة ستنظم الانتخابات القادمة للمجلس التشريعي حسب قرار الدستورية.
المعارضون لموقف «فتح» وهم كثر بدءاً من حركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وانتهاءً بفصائل من منظمة التحرير وخاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية برروا المعارضة بأنها خطوة لا تصب في جهود الوحدة وهي تكرس التفرد والانقسام أكثر، وهي بمثابة فصل نهائي بين الضفة وغزة. فـ»حماس» تريد انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني وتريد حكومة وطنية لمشاركتها وجميع الفصائل الراغبة. والجبهتان تريدان حكومة وحدة وطنية وليس حكومة فصائل منظمة التحرير للبحث في موضوع المصالحة ودفع العملية بما في ذلك إمكانية إجراء الانتخابات.
وعليه يبدو أن ما سيحصل هو تشكيل حكومة من «فتح» بصورة رئيسية وبعض فصائل المنظمة الراغبة وشخصيات مستقلة، وغالباً ستكون برئاسة عضو لجنة مركزية في «فتح»، في ظل تمسك الحركة بالحصول على الوزارات السيادية والمهمة. اي أن الحكومة ستكون حكومة مواجهة مع «حماس» وكما يقولون في «فتح» «لتقويض سلطة الانقلاب»، ما لم تحدث معجزة تغير من التوجهات القائمة كأن ينجح اللقاء الذي دعت إليه روسيا والذي سيعقد خلال الاسبوعين القادمين بمشاركة كل القوى الفلسطينية الفاعلة وعلى رأسها «فتح» و»حماس»، في تحقيق اختراق حقيقي في ملف المصالحة وعودة الأمور إلى تطبيق الاتفاقات. وعلى الأغلب سيكون برنامج الحكومة القادمة هو فرض عقوبات على «حماس» وغزة باستثناء موظفي السلطة الذين سيستعيدون رواتبهم كاملة. بمعنى أن الحكومة القادمة ستوقف تمويل الوزارات والمؤسسات في غزة وستعمل على إبقاء صرفها على الناس بدون أن تستفيد «حماس» من ذلك، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى خارطة طريق صعبة للغاية وحتى الآن غير مفهومة أو واضحة المعالم. كيف يمكن معاقبة «حماس» دون معاقبة قطاع غزة ودون تضرر المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع على السلطة وفي تنفيذ أجندات سياسية مختلف عليها.
الموضوع معقد، ونحن دخلنا في أـزمة مستفحلة وغير قابلة للحل على الرغم من إمكانية الحل لو توفرت نوايا حسنة ومخلصة. ولا يبدو أن أي حكومة سيتم تشكيلها ستستطيع أن توفر حلولاً منطقية لمشكلات المجتمع. إلا إذا كانت في إطار توحيد شقي الوطن وفي قلب ذلك التزام الجميع بتوفير الدعم لها ومنحها الصلاحية للحكم والاضطلاع بمسؤولياتها، وهذا غير متوفر بل أننا أبعد من نكون من هذا الخيار. ولكن هل هذه نهاية الطريق وهل أن قدرنا أن نذهب لصراعات داخلية تقضي على ما تبقى من مشروعنا الوطني؟ بالتأكيد الإجابة هي لا. وهناك خيارات ومنافذ يمكن أن تحل بعض الإشكاليات ووضعنا على أول طريق الحل، خاصة وأن الخطر الداهم والأكبر هو فيما تقوم به إسرائيل من استيطان وتهويد وتغيير للحقائق وللواقع في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وخاصة القدس المحتلة والمناطق المصنفة(ج) في الضفة الغربية التي تسعى إسرائيل لضمها نهائياً إليها سواء بالقانون الإسرائيلي أو بسياسة الأمر الواقع.
والمدخل الرئيس للحل هو الانتخابات القادمة. ولو أرادت الفصائل الفلسطينية جميعها أن تساهم في تغيير الوضع المأزوم عليها أن تعمل لإنجاح الانتخابات التي قررت المحكمة الدستورية بشأنها حتى لو كانت جزئية تخص المجلس التشريعي. فنحن في حالة فراغ دستوري خطير، ونعاني من غياب الرقابة على السلطة التنفيذية المتغولة على باقي السلطات، ونعاني من انقسام سيذهب بمشروعنا وطموحات شعبنا إلى الضياع والدمار. وهنا يمكن التوصل لتوافق بين جميع القوى في لقاء موسكو على الانتخابات بصفتها رافعة للوحدة وخطوة أولى ضرورية للتقدم في مسيرة إعادة الاعتبار للمؤسسات، وكذلك للرأي العام ولموقف الشعب واختياراته الطوعية الحرة. وحتى لو تشكلت حكومة فصائلية أو غيرها، فهذا يجب أن يكون فعلاً مؤقتاً وغير ذي أهمية مقابل ما يمكن أن يتحقق بعملية انتخابية. ولا يفيد كثيراً التباكي على حكومة لم تكن فعلاً حكومة وحدة وطنية حتى لو وافقت عليها الفصائل، فهي لم تكن صاحبة قرار وسلطة في غزة، وبقيت سلطتها محصورة بشكل أساسي في الضفة الغربية تماماً كالحكومة التي سيجري تشكيلها مع فارق أن القادمة ستكون قتالية في موضوع الصراع الداخلي. فهل نرتقي إلى مستوى المسؤولية ونذهب لخطوة واحدة جامعة للملمة صفوفنا بدلاً من الانقسام والتنازع على مصالح صغيرة وتافهة، لها علاقة بمكاسب مالية هزيلة أو حزبية تكرس المشروع الصهيوني؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية