في الاتجاه المعاكس للمشهد الفلسطيني العام المحكوم بحالة من الاستقطاب الشديد والانقسام، الذي تتضاءل الآمال بإمكانية إنهائه، كانت خمسة فصائل من منظمة التحرير قد أعلنت عن تأسيس التجمع الديمقراطي.


الإعلان جاء متأخراً كثيراً بما لا يقل عن اثني عشر عاماً، هي عمر الانقسام، حيث كانت الضرورة الموضوعية تفرض قيام تجمع وطني او ديمقراطي واسع، يكون قادراً على تجاوز عجز الفصائل منفردة عن امتلاك القدرة لتوفير إمكانية حقيقية قادرة على ممارسة الضغط والتأثير في اتجاه تجاوز أحكام حالة الاستقطاب، وبالتالي إنهاء الانقسام.
ثمة فارق كبير بين الاستجابة للضرورات الموضوعية في وقتها، وبين تفويت كل هذا الوقت، حتى تقتنع الأطراف المعنية، بضرورة التقدم لتلبية هذا الاستحقاق.


وبدون مجاملة، فإن هذا التأخير، يعكس في حقيقة الأمر، عجزاً، نظرياً عن قراءات التحولات الجارية، ومآلاتها السياسية والاجتماعية وهو عجز مدفوع الثمن بطبيعة الحال، سواء لما يعانيه الشعب الفلسطيني وقضيته أو بما تعانيه الفصائل المعنية منفردة من ضعف القدرات، والاتهامات لها بالعجز عن التأثير في المجرى العام للأحداث.


كانت القراءة التحليلية السليمة للوقائع سواء في إطار العلاقات الداخلية الفلسطينية او في إطار الصراع مع الاحتلال تشير مبكراً، الى فشل المراهنة على خيار المفاوضات، وسياق اتفاقية أوسلو، وأيضا فشل مشروع المقاومة طالما ان الخيارين محكومان لحالة من التناقض الصارخ.


وكان سياق الأحداث، يشير الى أن إسرائيل ليست بوارد تحقيق سلام مع الفلسطينيين يقوم على قرارات الأمم المتحدة وبرنامج الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس . يعني ذلك موضوعياً، ان الفصائل الخمسة اياها، وربما فصائل اخرى، سيكون عليها ان تدرك بأن الأحداث والتطورات تتجاوز عملياً، الخلافات السياسية بينها. والتي شكلت في سابق المبادرات التجميعية ذريعة تخفي العصبوية التنظيمية. لسنا بصدد تقييم اسباب فشل تمديد المبادرات التي وقعت في فخ العصبوية والذاتية التنظيمية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكن نفترض ان الظروف الراهنة وطول التجربة، لا تدع مجالاً لأحد، لاستنهاض القدرات التبريرية، او للتفكير بإمكانية الاستجابة لرشوة ذاتية من هنا او هناك، على حساب تجربة التجمع.


في الواقع فإن ثمة مبررات موضوعية أُخرى، تشكل او المفروض انها تشكل ضمانة للاستمرار والنهوض بأوضاع هذا التجمع، فكل أطرافه تقريباً، ترفض اوسلو، وتقترب سياسياً من حماس ، وكلها تتفق مع البرنامج الاجتماعي لحركة فتح والسلطة، وتختلف الى حد التناقض مع البرنامج الاجتماعي لحركة حماس والقوى الإسلامية الأُخرى.


يشكل هذا مبرراً كافياً لقوى التجمع، التي يترتب عليها ان تخوض معاركها، وتصيغ شعاراتها واهدافها وتقوم بنشاطاتها، بوعي عميق، ووفق اختيارات واضحة، للاولويات، ان كانت سياسية وطنية أم اجتماعية.


قبل بضعة أيام كان الزميل المتميز هاني المصري قد طرح سؤالاً حول الحلقة المركزية، وقدم ما يقرب من عشرة خيارات، كلها تنطوي على اهمية، ولكن لا يمكن لجميعها ان تشكل الحلقة المركزية التي يفترض ان تتمتع بالاولوية.


ندرك مدى صعوبة الاجابة عن سؤال الزميل هاني، أو ان يحصل أي عنوان منها على الإجماع، وذلك امر طبيعي في ضوء الاختلاف الواسع بين الآراء المحكومة لمواقف مسبقة، تعكس انحيازات حزبية ولكن لا مناص من الإجابة.


اذا كان هدف السؤال كما يتضح، يتعلق بالتجمع الديمقراطي، وهو كذلك ولكنه ليس حصرياً، ذلك ان تجمعاً كهذا يفترض ان يعكس برنامجه وشعاراته الهم الوطني العام، فإن الأولوية، ينبغي ان تكون أساساً حول هدف التخلص من الاحتلال.


نعلم بطبيعة الحال، أن هذا العنوان الذي يتصل بالتناقض الرئيسي بدون تجاهل للتناقضات الداخلية، يعني ضرورة العمل من اجل تحقيق توافق وطني على برنامج سياسي، الأمر الذي يتطلب أولوية فتح حوارات بهذا الخصوص يمكن ان تساعد نتائجها على فتح آفاق أمام إمكانية تحقيق المصالحة الوطنية.


وربما كان على التجمع وبقية القوى والفصائل الأخرى ان تتفق عملياً وبالممارسة في ضوء استمرار الانقسام، على وقف التدهور في الحالة الوطنية، وتجنيد الطاقات لحماية الحقوق الوطنية ومقاومة وإفشال صفقة القرن ، والمخططات التوسعية والعنصرية الإسرائيلية.


اذا كان هذا هو الهم العام، والهدف العام، بما انه الهدف الذي يتفق تماماً مع مبادئ العمل السياسي التحرري، الذي يقدم دائماً، التناقضات الرئيسية مع الاحتلال على التناقضات في صفوف الشعب، فإن مستلزمات هذا الهدف متعددة وتحظى بأهمية.


اذاً يصبح أمر تقوية الصراع مع الاحتلال، يتطلب انهاء الانقسام واعادة توحيد المؤسسة والقرار الفلسطيني على اساس الشراكة، والتعددية الحقيقية، من خلال العودة الى صناديق الاقتراع.


يندرج تحت هذا الهدف، اهداف أخرى فرعية، اهمها برأينا العمل على تعزيز صمود المواطن الفلسطيني على ارضه، وإعادة صياغة الهوية الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني بمضامينها التحررية.


ليس لنا أن نحمل التجمع وهو في بداياته الأولى، المسؤولية عن النهوض بكل هذه الأعباء الثقيلة، لكن على أطرافه ان تتجاوز عصبويتها وذاتيتها التنظيمية، وان تخلص للهدف العام، بحيث يكون اسم التجمع من خلال نشاطاته، أعلى واكثر شهرة من اسم كل فصيل.


التجمع حتى الآن يشكل ثقلاً سياسياً ومعنوياً، لكنه على المستوى الشعبي، ليس كذلك، ولذلك فإنه كلما اخلص أصحاب المبادرة للأهداف التي اتفقوا عليها، كان ذلك سبباً لاتساع دائرة مؤيديه، خاصة وأن الكثير من هؤلاء محكومون لحالة من الحذر إزاء إمكانية نجاح التجربة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد