تقدير الموقف الذي صدر عن «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي والذي يتناول المخاطر المركزية التي تواجه إسرائيل في عام 2019، يركز على إيران باعتبارها الخطر الأكبر والأهم الذي يواجه إسرائيل. ويأخذ بالحسبان إمكانية حصول مواجهة على الجبهة الشمالية مع إيران وسورية و»حزب الله»، وخاصة في ظل محاولات إيران التموضع في سورية وبناء قواعد لها هناك ونقل أسلحة متطورة ومنها الصواريخ عالية الدقة إلى «حزب الله». كما يتحدث تقرير المعهد المذكور عن احتمال نشوب حرب في الجبهة الجنوبية مع « حماس »، بسبب الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية المتدهورة في قطاع غزة ، وأيضاً بسبب تآكل قوة الردع الإسرائيلية. أما على جبهة الضفة الغربية فيحذر تقرير تقدير الموقف من تضعضع استقرار السلطة الفلسطينية، ومن التطورات التي يمكن أن تحدث في نهاية عهد الرئيس محمود عباس ، وإمكانية انزلاق إسرائيل نحو واقع الدولة الواحدة الذي ينطوي على «انعكاسات خطيرة على المستقبل، وعلى طبيعة إسرائيل وصورتها كدولة قومية للشعب اليهودي» – حسب تعبير واضعي التقدير.
ولكي يتم تلافي خيار الدولة الواحدة يقترح المعهد وضع مخطط سياسي- أمني يقوم على أربعة مبادئ: بدء تطبيق خطوات انفصال أحادي الجانب لتأكيد إصرار إسرائيل على بلورة واقع كيانين سياسيين منفصلين ومتميزين، واعتماد ترتيبات انتقالية بما لا يستثني التعاون مع السلطة الفلسطينية وتعزيز مكانتها كشريك مسؤول ومستقر في عملية الانفصال، وتجنيد دول الخليج ومصر والأردن لتقديم ضمانات للسلطة مقابل تعهدها القيام بدور إيجابي ومساعدتها في بناء البنية التحتية للدولة الفلسطينية. أما المبدأ الرابع فهو إبقاء الأمن في يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، والحفاظ على حرية العمل في محاربة ما يسمونه « البنى التحتية للإرهاب» في المنطقة كلها.
المشكلة في الطرح الإسرائيلي لمعالجة المشاكل التي تواجه دولة الاحتلال تكمن في أنه يعتمد على عنصر القوة من جانب، وعلى خضوعه للاعتبارات السياسية الحزبية والشخصية من جانب آخر. فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني يقول الباحث الإسرائيلي أودي ديكل أن بعض القيادات الفلسطينية أبدت تفهماً لفكرة البدء بترتيبات انتقالية لحل الدولتين. ولكن المشكلة هي في الأجواء السائدة في الساحة السياسية الإسرائيلية قبل الانتخابات، حيث يتباهى السياسيون بمواقفهم المتطرفة ويخشون طرح رؤية واقعية لحل الصراع مع الفلسطينيين.
وهناك من يرى المخاطر الكامنة في تولي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزارة الأمن «الدفاع» في إسرائيل قبل الانتخابات، لأن هذا عملياً يضع الوزارة ورئيس هيئة الأركان الجديد أفيف كوخافي تحت سيطرة ومسؤولية شخص رئيس الحكومة، ما يعني أن يحاول الأخير استثمار هذا الموقع لصالحه في الانتخابات، خصوصاً مع احتمال توجيه لائحة اتهام ضده قبل موعد إجراء العملية الانتخابية. ولعل من أبرز الدلائل على محاولة نتنياهو استثمار الجيش والعمليات الأمنية هو الإعلان رسمياً عن مسؤولية إسرائيل عن القصف الذي استهدف مواقع في سورية قيل أنها تابعة للقوات الإيرانية وأخرى تابعة للجيش السوري الذي يتعاون مع القوات الإيرانية. فهذا التباهي والتبجح يخلق مشكلة لروسيا التي تؤكد في كل مناسبة وقوفها إلى جانب النظام السوري، وأن صبرها تجاه إسرائيل يكاد ينفد. ويعتقد الخبراء في إسرائيل أن الإعلان عن تبني عمليات القصف المتكرر في سورية سيحد من قدرة إسرائيل على المناورة وسيقيد حرية عملها في سورية، خصوصاً وأن سورية حتى الآن امتنعت عن استخدام منظومات الصواريخ الأكثر تطوراً من طراز «إس 300». كما أن روسيا لن تقبل التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها يوفال شتاينتس الوزير في حكومة نتنياهو باستهداف الرئيس السوري بشار الأسد.
ويذهب البعض إلى أن نتنياهو ربما يذهب لحرب محدودة للتشويش على موضوع تقديم لائحة اتهام ضده، وهذه الحرب قد تكون في الجبهة الجنوبية إذا حصل «استفزاز» فلسطيني لإسرائيل ومس بما يحاول نتنياهو تسويقه على أنه إنجاز له وخاصة موضوع التهدئة مع «حماس» مقابل الدولارات القطرية. ومع ذلك تبقى إمكانية التصعيد على الجبهة الشمالية واردة في ظل الاستهداف المتكرر للمواقع الإيرانية في سورية. وعند النظر لموازين القوى هناك أفضلية لإيران في مواجهة إسرائيل لأن الأولى تستطيع استخدام أراضي دول أخرى قريبة لضرب إسرائيل مثل سورية ولبنان وربما المناطق الفلسطينية وخاصة قطاع غزة. بينما إسرائيل لكي تضرب إيران عليها أن تقوم بعمليات معقدة وبالغة الخطورة وهي بحاجة لتعاون دول إقليمية عديدة قد تكون في موقع الخطر بسبب هذا التعاون. والنتائج هنا قد لا تكون بمستوى ما تتعرض له إسرائيل من ضرب جدي للجبهة الداخلية بآلاف الصواريخ، الأمر الذي لم تعتده إسرائيل، بل هي غير جاهزة له بعد.
وقد تحدث الحرب في ظل وضع صعب وسيئ يعاني منه جيش الاحتلال الذي فقد جنوده الرغبة في القتال، وانصرف الشبان المجندون عن الالتحاق بالوحدات القتالية التي كانت تشكل الأكثر جاذبية في الجيش ويطلب الغالبية منهم الانضمام إلى وحدات التكنولوجيا والاتصالات التي يستفيدون منها في حياتهم العملية وتبعدهم عن خطر التعرض للإصابة المباشرة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يخاطر نتنياهو بالتورط بحرب لإنقاذ نفسه؟ علماً بأن استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل تقول إن حزب «الليكود» سيخسر أربعة مقاعد إذا جرى توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو؟ أم أن المؤسسة الأمنية ستقف ضد إمكانية التهور تحت اي ظرف؟ لا يزال من المبكر تحديد أين ستذهب الأمور في إسرائيل، حيث يفصلنا عن الانتخابات أكثر من شهرين ونصف وهي فترة طويلة بالنسبة للتطورات التي ممكن أن تحدث بصورة سريعة أو مفاجئة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية