قبل عامين وحتى قبل ساعات من إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، كانت كل التقديرات واستطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إلا أن النتيجة الحقيقية أو النهائية كانت عكس ذلك تماماً، وأول مرة فاز فيها بنيامين نتنياهو بمقعد رئيس حكومة إسرائيل، أي في العام 1996، كان جلّ التقديرات يشير إلى فوز شمعون بيريس الذي كان حينها رئيساً للحكومة، بعد مصرع إسحق رابين، وكان قد دفع بتبكير الانتخابات، التي كانت بالمناسبة أول مرة ينتخب فيها رئيس الحكومة مباشرة من الناخبين، بهدف استثمار تعاطف الجمهور مع حزب العمل بعد اغتيال رئيسه على يد يميني متطرف، لكن النتيجة كانت مفاجئة تماماً للمراقبين حيث فاز نتنياهو بمنصب رئيس الحكومة.


لا تكاد الأمثلة تنتهي بهذا الخصوص، لكن بالمقابل فإن تطابق استطلاعات الرأي وتوقعات المراقبين كثيراً ما كانت تجيء النتائج الفعلية متوافقة معها تماماً، وربما بنسبة أعلى من المفاجآت، لذا فإن التوقعات والتقديرات تؤخذ بعين الاعتبار، لكنها ليست نهائية، وإلا لكان استطلاع الرأي بديلاً عن إجراء الانتخاب نفسه، والذي يعد مرهقاً ومكلفاً من أكثر من زاوية.


المهم أن التقديرات بعد تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية وقرار إجرائها في التاسع من نيسان القادم بدلاً من تشرين الثاني من العام الحالي، وإن كانت تشير إلى فوز اليمين بمحوره المركزي حزب الليكود وبرئيسه الحالي بنيامين نتنياهو، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يستبعد احتمال حدوث المفاجأة.


ولا شك في أن احتفاظ اليمين والليكود وبنيامين نتنياهو بقوته الانتخابية يعود لأسباب عديدة، منها ما هو داخل إسرائيل حيث لم يعد حزب العمل يمثل نداً أو حزباً قادراً على منافسة الليكود، ومنها ما له علاقة بالجانب الفلسطيني الذي ضعف كثيراً عن التحدي طول حقبة الانقسام البغيض، ثم كانت قوة الدفع الإضافية بوصول ترامب للبيت الأبيض، وإعلانه عن القدس عاصمة لإسرائيل ومن ثم حديثه عن « صفقة القرن »، وما تلاها من نجاحات إسرائيلية في العلاقة التطبيعية مع عدد من الدول العربية، خاصة تلك المنضوية في إطار مجلس التعاون الخليجي.


مصدر القوة الانتخابية لليكود قد يكون هو نقطة ضعفها مع ذلك، حيث يمكن أن يحدث تغيّر دراماتيكي خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ففي الدورة السابقة، قبل عقدين تقريباً، حين فاز الليكود برئاسة أرئيل شارون، قام لاحقاً رئيس الحزب بالانقلاب على الليكود نفسه والخروج منه وتشكيل حزب كاديما الذي حكم من خلاله هو وكل من أيهود أولمرت وتسيبي ليفني، والتي ضمن شخصيات من حزب العمل، وكذلك في الدورة السابقة حين تحالف حزب العمل مع قائدة كاديما السابقة تسيبي ليفني، وشكل المعسكر الصهيوني الذي كان قاب قوسين من تحقيق الفوز، لكن مثابرة الليكود ونتنياهو في الأيام الأخيرة قلبت الطاولة، لذا فإن عدم وجود حزب وحيد قادر على منافسة الليكود يدفع أحزاباً وشخصيات للتحالف فيما بينها من أجل التقدم باحتمال إحداث الانقلاب.


دخول رؤساء أركان سابقين حلبة التنافس يمثل - في تقديرنا - تحدياً محتملاً، ذلك أن الناخب الإسرائيلي مع وقع التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على أكثر من جبهة، يدرك أن حكومات نتنياهو كانت تفتقر دائماً للجانب الأمني في الحكم، فنتنياهو نفسه ليس بخلفية أمنية كافية، كذلك كان حال أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع في معظم ولاية الحكومة الحالية، إضافة بالطبع، لشركاء الليكود في الحكم من أحزاب اليمين واليمين المتطرف.


بهذا المعنى، فإن تحالفاً يجري الحديث عنه الآن بين يائير لابيد رئيس حزب ييش عتيد «يوجد مستقبل» وتسيبي ليفني رئيسة حزب «هتنوعاة» شريك العمل في المعسكر الصهيوني سابقاً، يمكن أن ينافس الليكود على الفوز، خاصة إذا ما ضم رئيس الأركان السابق بيني غانتس ، الذي يرى فيه الناخبون منافساً على رئاسة الحكومة لبنيامين نتنياهو، وإذا ما نجح هذا التحالف بالتقدم في هذا السياق وضم أيضاً موشيه يعالون وزير الدفاع السابق، فإن الحديث سيكون عن تجمع انتخابي ثقيل الوزن فعلاً.


كل ذلك مجرد تكهنات، لكن باستثناء استقرار الحال بالليكود فإن الخارطة الحزبية من الزاوية الانتخابية في إسرائيل بحالة حراك واسع، فحتى البيت اليهودي الذي كان أحد الشركاء الرئيسيين لليكود في الحكومة السابقة شهد خروج قائده نفتالي بينيت وممثله الثاني في الحكومة أيليت شاكيد.


وبالطبع هناك التراجع الكارثي في حجم حزب العمل، وهناك أيضاً مظهر التفكك في التجمع العربي بعد خروج أحمد الطيبي، حيث لأول مرة دخل العرب بقائمة موحدة في الانتخابات السابقة.


هناك أيضاً التحدي الأهم الذي يواجه نتنياهو، الذي يتمثل بملفات التحقيق معه، في أكثر من ملف هو شخصياً متهم فيه بالفساد، بحيث لم يعد الحديث يجري عن احتمال استجوابه أو تقديم لائحة اتهام ضده من عدمه، بل عن موعد ذلك.. إن كان قبل الانتخابات أم بعدها.


كذلك ازدياد حجم العقبات في طريق «صفقة العصر»، لدرجة أن يتحدث عنها وزير خارجية فرنسا قبل أيام بأنها مجرد إعلانات وأنها ليست على الطاولة، وانخفاض درجة التأثير الإقليمي لواشنطن في المنطقة، كل ذلك يمثّل تحديات محتملة في طريق بقاء نتنياهو على مقعد رئيس الحكومة، وحتى لو نجح مجدداً في الفوز بالانتخابات القادمة، فإن ذلك لا يعني أن يستمر أربع سنوات أخرى كاملة رئيساً للحكومة، كما هو حال شريكه الدولي دونالد ترامب.


لذا فقد بدأت حملة نتنياهو الانتخابية مبكراً، حيث سيشارك في إيباك ويلتقي ترامب في آذار القادم، وهناك تسريبات بمحاولة تدخل خارجي عبر «السايبر» كما حدث في انتخابات الرئاسة الأميركية، كل ذلك يشير إلى أن نتنياهو لا ينام على حرير في انتظار التاسع من نيسان القادم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد