كأني أكاد أرى كلا من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ، وهما يخرجان لسانيهما للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والقول له: أرأيت أيها الرئيس المستجد على السياسة العالمية، والذي لا يعرف تفاصيلها جيدا، أرأيت كيف كافأك العرب/ المسلمون على موقفك في مجلس الأمن، وعلى تصويت بلادك مع مشروع القرار الفلسطيني/ العربي، بعد اقل من أسبوعين، وكيف أنهم ردوا لك الجميل في عقر دارك، وفي العاصمة باريس وعلى الملأ، وبشكل صريح، حيث أعلنت «داعش» بل وقاعدة اليمن مسؤوليتها دون أي لبس، فيما لم يكن هناك أدنى شك حول هوية أو شخصية منفذي الاعتداء على الصحيفة ومن ثم على المتجر الفرنسي!.
يمكن القول دون تردد إن «داعش» وأخواتها التي تسعى إلى وراثة «القاعدة»، والتي بالفعل خطفت منها الأضواء والاهتمام والمكانة منذ نحو عام أو أكثر، قد تعلمت الدرس من «القاعدة» جيدا، فهي لم تقترب من إسرائيل وحسب، كما فعلت «القاعدة» من قبل، بل أنها لا تقترب لا من أميركا ولا من بريطانيا، رغم أن الولايات المتحدة هي التي تقود التحالف العالمي في محاربة «داعش» في شمال سورية والعراق!
قبل عدة أعوام برر أنصار أو مناصرو «القاعدة»، عدم خوضها أو عدم اهتمامها بالكفاح ضد إسرائيل بأن مكان سيطرتها أو تواجدها بعيد جدا عن الحدود مع الدولة العبرية، وحين تساءل الكثيرون عن عدم تفكير جماعات النصرة و»داعش» بتوجيه ولو جزءا من جهدها العسكري ضد دولة الاحتلال الإسرائيلية، تعلل مريدو هذه الجماعات بألف حجة وحجة.
وفي الحقيقة يبقى هذا السؤال معلقا، ويرسم علامة استفهام كبيرة جدا حول الأهداف الحقيقية للإسلام الجهادي برمته، وإن كان يهدف حقا «لتنظيف» المجتمعات المسلمة من الفساد و»الكفر» ويخلصها من أسباب الهزيمة والضعف والعجز، أم انه مجرد أدوات في يد أعداء الأمة العربية الدوليين والإقليميين، وفي أحسن الأحوال مجرد رد فعل على عجزنا عن تجاوز ضعفنا المتحقق والمقيم والذي يعود لأكثر من سبب.
لقد وصلت قوات المعارضة السورية، بما فيها النصرة إلى مشارف الجولان، ولم تطلق طلقة واحدة على الإسرائيليين، كما أن «داعش» لم تعد موجودة فقط في شمال سورية/ العراق، بل وصلت إلى داخل ليبيا وشمال إفريقيا، ودخلت حتى في «عب» إسرائيل، في غزة وسيناء، وهي تصل إلى كل أرجاء الأرض، من أستراليا إلى الولايات المتحدة، مرورا بأوروبا، حيث يتم تجنيد الأعضاء والمقاتلين من كل دول الدنيا، وليس هناك من شيء يحول دون أن تقوم بعمل، مهما كان بسيطا، ضد إسرائيل، أو حتى ضد الولايات المتحدة، ويبدو أن «داعش» التي ولدت من رحم «القاعدة»، قد اجتازت عمليا دروس «القاعدة»، فهي لم تفكر في ضرب أي أهداف إسرائيلية وحسب، بل هي لم تفكر في ضرب أي هدف يهودي.
أكثر من ذلك، ورغم قيادة الولايات المتحدة لحرب أطلسية معلنة ضد «داعش»، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لم يعلن، بل لم يفكر في استهداف المصالح الأميركية ولا في أي مكان، ولا حتى في العراق حيث يوجد الأميركيون في المنطقة الخضراء وفي أكثر من مكان، في مرمى النيران الداعشية.
ولعل النموذج الفاضح والأكثر سفورا هو، حالة ما يسمى بأنصار بيت المقدس، التنظيم الداعشي أو القاعدي الذي يحارب الدولة المصرية على ارض سيناء، وينسب نفسه باسمه ـ على الأقل ـ للمدينة المقدسة، ثالث الحرمين وأولى القبلتين، والذي ارتكب جرائم يندى لها الجبين بحق الجنود المصريين الأبرياء، كما انه يتسبب لأهل غزة بإكمال واستمرار الحصار، حيث يضطر المصريون لإغلاق معبر رفح ، بسبب الحالة الأمنية في سيناء، كما أنه بافتعاله التوتر الأمني وبإشغاله الدولة المصرية والجيش المصري، بل وحتى الأجهزة الأمنية المصرية إنما يقدم خدمة جليلة لإسرائيل، من الجهتين المصرية والفلسطينية، وهو في الوقت الذي يرتكب فيه المجازر بحق الجنود المصريين، يكون فيه الجنود الإسرائيليون على مرمى البصر وفي الجوار، ولا يفكر حتى في إلقاء حجر عليهم!
هل بعد كل هذا يمكن القول إن هؤلاء مقاومة، أو إن هؤلاء مسلمون؟!، وحتى انه يمكن لأحد أن يدافع عن حقهم في الحياة!
وبذلك فإن سؤالا مهما جدا لابد من طرحه على كل الناس وهو، إن كان هؤلاء يقدمون على ارتكاب الجرائم ليس بحق الدول ولا بحق أجهزتها أو قواتها المسلحة، بل بحق المجتمع أيضا، حين يقومون بذبح الناس واستعبادهم، وأنهم يقدمون الصورة المشوهة جدا للإسلام وللمسلمين، متى ستتحول مواجهتهم من مسؤولية الدولة وحسب، إلى مسؤولية المجتمع بكل فئاته ومفرداته، وكل حسب دوره واختصاصه، لأن من شأن التخلص من هذه الظواهر أن يتعافى المجتمع العربي والمسلم من العديد من مظاهر ضعفه وتخلفه، وإلا فإنه سيبقى تحت رحمة ثنائية الدولة العسكرية والإرهاب!.
وربما كان هذا هو هدف الأعداء الخارجيين للعرب ولكل المجتمعات العربية والمسلمة، حتى تبقى مستلبة وضعيفة ومحتلة، وقابلة للاحتلال في أي وقت يشاء فيه العدو الخارجي!.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد