على اثر قرار الكنيست رفع نسبة الحسم للانتخابات البرلمانية إلى 3.25 بالمئة، اضطرت أحزاب عربية أربعة إلى تشكيل ما بات يُعرف بالقائمة العربية المشتركة، والتي خاضت انتخابات الكنيست العشرين، وكان أحد أهداف رفع هذه النسبة، عدم تجاوز أي حزب عربي هذه النسبة، إلاّ أن تشكيل "القائمة" أدى إلى سقوط رهان اليمين الإسرائيلي الذي كان يعتقد أن تباين مواقف وخلفيات هذه الأحزاب لم يمكنها من التحالف فيما بينها وخوض الانتخابات في قائمة موحّدة تمكنها من تجاوز نسبة الحسم، إلاّ أن ضغط الجمهور العربي في إسرائيل الذي هدّد بمقاطعة الانتخابات في حال لم تتوحّد الأحزاب العربية في قائمة واحدة، وتعالي أصوات النخب الاجتماعية والأكاديمية بضرورة إسقاط الرهان على الانقسام في الداخل الفلسطيني، خاصةً أن مواقف هذه الأحزاب طوال تجربتها وأدائها في الكنيست كانت متماثلة إزاء كافة القضايا الأساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية عموماً، والإقلية العربية في الداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، يمكن هذه الأحزاب من تجاوز خلافاتها وتبايناتها لصالح الدفاع عن مصالحها ومواقفها بشكل موحّد.
ومع تشكيل القائمة المشتركة وخوضها لانتخابات الكنيست العشرين وحصولها على 13 مقعداً، بزيادة مقعدين للأحزاب الدينية في الكنيست السابقة، مع خسارتها للمقعد 14 بفارق ضئيل، فإن تعزيز القائمة المشتركة لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة في نيسان القادم، يؤهل هذه القائمة للحصول على 15 مقعداً، وهو الهدف الذي حددته مؤخراً، إلاّ أن ذلك يتطلب دراسة التجربة السابقة بدقة وصراحة مع الأخذ بالاعتبار أن تشكيل "القائمة المشتركة" هو أحد أشكال "الجبهة العريضة" والذي يسمح بأشكال من الخلافات والتباينات مع التركيز على ما يجمع في سياق الأهداف الكبرى العامة، لذلك يجب عدم النظر إلى مثل هذه التباينات وكأنها نقاط ضعف كبيرة، لا يمكن معها تواصل هذه التجربة التي شكلت تحدياً هاماً لقوى اليمين الإسرائيلي الحاكم، على ضوء قوانينه العنصرية التي أقرها خلال أعمال الكنيست المغادرة، واعتبار هذه التجربة الوعاء الجامع للجماهير العربية في الداخل وإنجازاً وطنياً يجب عدم التخلي عنه مهما كانت الظروف والعوائق.
إننا نخشى من ضياع هذا الإنجاز، على ضوء جملة من المعطيات التي تم تداولها إثر القرار بالانتخابات المبكرة، فهناك بعض الأحزاب التي ترى أن التشكيلة السابقة للمشتركة، لم تمنحها مكانتها في ظل جماهيريتها، وأنها تدرس الانفصال عن المشتركة لكي تنال المقاعد التي تعتقد أن بإمكانها الحصول عليها، وهي أكثر من تلك التي كانت لها في التشكيل السابق للمشتركة، وهي رؤية تأخذ بالاعتبار المصالح الحزبية الضيقة وتشكل خطراً حقيقياً على التمثيل العربي الفلسطيني في الكنيست، وحتى في حال الانتقاص من مكانتها، مع أن الأمر ليس كذلك، فإن المزيد من المشاورات والاستقصاءات من شأنه المساواة في التقدير وعملية مراجعة صادقة وصريحة من شأنها التوصل إلى حل لمثل هذه الخلافات لصالح تمثيل عربي أوسع في البرلمان الإسرائيلي.
وقد يرى البعض، أن تشكيل قائمتين لتمثيل الجماهير العربية، ربما يشكل حلاً لبعض هذه الخلافات، إلاّ أن التمسك بالقائمة المشتركة الموحدة، هو الحل الأمثل لمثل هذا التمثيل، وعوضاً عن هذا المقترح، يتوجب على ضوء التجربة السابقة، توسيع القائمة المشتركة لضم أحزاب أخرى، والأهم فتح المجال أمام انضمام النخب السياسية والاجتماعية والأكاديمية، كأفراد إلى هذه القائمة، الأمر الذي من شأنه إقامة جبهة وطنية عريضة، تشكل القائمة الجديدة، عمودها الفقري الناظم لمواقفها.
ويقوم هذا المقترح بتوسيع القائمة المشتركة، على ضوء التحديات التي تواجه الجماهير العربية في الداخل، مع تأسيس حزب "البيت العربي" الذي أعلن عن موافقته على الانضمام إلى حكومة يتزعمها الليكود يرأسها بنيامين نتنياهو ، مع تأييده لقانون القومية العنصري واحترام رموز الدولة العبرية كالعلم والسلام الوطني الإسرائيلي، في تماهٍ غير مسبوق مع دولة الاحتلال وقيمها العنصرية وإدارة الظهر لمصالح الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، ويشكل طعنة في قلب الوطنية الفلسطينية.
إنها دعوة لتجاوز المصالح الفئوية والحزبية والفردية لصالح تمثيل أوسع للجماهير العربية ولتحدّي العنصرية الإسرائيلية!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية