تنظر إسرائيل بقلق بالغ في إنضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية لإدراكها المخاطر الكامنة ضد مسؤوليها السياسيين والعسكريين في تقديمهم للمساءلة القانونية، وعلى ما يبدو أن هذه القضية تقلق المستوى السياسي والأمني في إسرائيل، حيث هدد بنيامين نتنياهو عرقلة التوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية، واتخذ قراراً بتجميد تحويل نحو 130 مليون دولار للسلطة الفلسطينية من المستحقات الضريبية التي تجبيها إسرائيل، وتوعد بعقوبات أخرى للضغط على الفلسطينيين سحب الطلب.مصطفى 8
في الوقت ذاته قلل رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بيني غينتس من مسعى الفلسطينيين في الإنضمام الى محكمة الجنايات، وقال إنها خطوة من جانب واحد لا داعي لها، وأن قوات الجيش الإسرائيلي ترسل لمهمات من قبل دولة ديمقراطية وتحافظ على القانون وملتزمة بالقانون الدولي، وأضاف أن قوات الجيش تبذل جهداً كبيراً لتجنب المس بالمدنيين، وأنه يوجد لإسرائيل تقاليد وأدوات للتحقيق في كل ما يجب التحقيق به وأنه ليس قلقاً.
وكان وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، قال أن لا مكان لإجراء تحقيق في المجزرة الرهيبة التي إرتكبتها قوات لواء غفعاتي في مدينة رفح في الأول من شهر آب/ أغسطس خلال العدوان على قطاع غزة ، والتي تصفها وسائل إعلام إسرائيلية بـ “يوم الجمعة الأسود” على إثر أسر المقاومة الجندي الإسرائيلي هدار غولدن وأسفرت المجزرة عن مقتل نحو 150 فلسطينيا مدنيا وإصابة مئات آخرين، ومقتل الجندي غولدن.
جاءت أقوال يعلون رداً على ما ذكرته صحيفة “هآرتس” الاسبوع الماضي حول أهمية إجراء تحقيق جدي في انتهاك القانون الدولي خلال الحرب الأخيرة على غزة من أجل تخفيف الضغوط الدولية، وتعزيز مناعة الجيش الإسرائيلي.
و بين القلق والتقليل من ذلك والخطوات التصعيدية التي اتخذتها الحكومة الاسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية، فقد أعلنت إسرائيل في خطوة إستباقية تحسباً لاحتمال تعرض جنودها وضباطها لشكاوى بارتكاب جرائم حرب، بالقول ان وحدة التحقيق في الجيش (النيابة العسكرية) شرعت في التحقيق في شبهات بارتكاب جنود جرائم خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
هذا الإجراء أثار غضب نحو 250 ضابطاً وجندياً في الاحتياط من الوحدات القتالية المختلفة رفعوا يوم الاثنين 5/1/2015، رسالة احتجاجية إلى قيادة الجيش ضد ما وصفوه بـ جنون التحقيق مع الجنود، بذريعة أن من شأنه أن يؤثر على معنويات الجنود في الحروب المقبلة ويردعهم، و طالبوا بأن يقوم ضباط كبار بالتحقيق مع الجنود وليس أشخاص لا يفقهون شيئاً في سير المعارك وطابع الحرب.
وعلى الرغم من الجرائم التي ارتكبت و الدمار والخراب الكبير و سقوط نحو 2150 شهيدا فلسطينيا، معظمهم من المدنيين، في العدوان على غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي فتح 13 تحقيقا فقط في أحداث عينية، مثل نهب جنود لممتلكات واستخدام مدنيين كدروع بشرية وقتل امرأة فلسطينية. صحيفة هآرتس ذكرت أن الجيش “حقق مع نفسه” بعد عملية “عمود السحاب” في العام 2012، في 82 حادثة، لكنه لم يتخذ أي إجراء انضباطي أو جنائي ضد أي من الضالعين فيها.
وحسب ما ذكرته صحيفة هآرتس فإن بعض أساتذة القانون الدولي الإسرائيليون طالبوا وأيدوا ضرورة إجراء الجيش تحقيقاً مع نفسه لتفادي إستدعاء مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما ينص “مبدأ التكامل” في القانون الدولي على ألا تتدخل هيئات قضائية دولية أو أجنبية في التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في حال أبدت الدولة ذات الصلة المباشرة بالأحداث قدرة ورغبة وقامت بالتحقيق الجدي في الشبهات، أي أن الهيئة القضائية الدولية تحل محل هيئة قضائية محلية فقط كمخرج أخير، وفي حال عدم قدرة الدولة على التحقيق أو عدم رغبتها في تنفيذ واجبها بتحقيق يضمن تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة.
صحيفة هآرتس ناشدت قيادة الجيش عدم التشويش على إجراء تحقيق جدي وإظهار الحقيقة للرأي العام، و قالت أنه عاجلاً أم آجلاً سيتم التحقيق في حادثتين على الأقل، الأولى قتل فيها 27 شخصاً من عائلة أبو جامع في خان يونس، جميعهم مدنيون، خلال قصف الطيران الحربي منزلهم في 20 تموز (يوليو) الماضي، ومجزرة “يوم الجمعة الأسود” في رفح.
إسرائيل إرتكبت جرائم حرب خلال دورات العدوان الاسرائيلي السابقة ولم يساءل أي من المسؤولين الاسرائيليين، وتخاذل وتوطأ المجتمع الدولي في محاسبة اسرائيل، وعدم تنفيذ توصيات لجنة غولدستون التي حققت في العدوان على قطاع غزة في العام 2008، 2009، والتي اعتبرت التحقيقات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في شبهات ارتكاب جرائم حرب ملغية.
إسرائيل لديها مفهوم مختلف في تفسير القانون الدولي ومع ذلك قلقة و تحاول أن تقلل من شأن انضمام الفلسطينيين الى محكمة الجنايات الدولية، وتقوم بالضغط على الفلسطينيين، وقيام الجيش الإسرائيلي بتشكيل لجان للتحقيق مع نفسه للالتفاف على المسعى الفلسطيني و ما قد يصدر عن لجنة التحقيق الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في شبهة إرتكاب الجيش الاسرائيلي جرائم حرب خلال العدوان الاخير.
مطلوب من القيادة الفلسطينية عدم التراجع تحت أي ضغط كما مطلوب من منظمات حقوق الانسان استكمال إعداد ملفات متكاملة لتقديمها لمحكمة الجنايات وتوحيد الجهود لضمان نجاح الدعاوى لردع إسرائيل ومساءلة ومحاسبة المسؤولين فيها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية