في أواخر العام 2016، شهدت الضفة الغربية بما فيها القدس ، أحد أشكال الانتفاضة الفلسطينية الإبداعية من خلال ما بات يسمى ثورة السكاكين والدهس، كان الاحتلال يفسر فشله في ملاحقة هذه العمليات والتصدي لها، بأنها تقوم على أنشطة فردية غير منظمة، نوازع وأهداف شخصية يقوم بها النشطاء دون أن تكون لهم توجهاتٌ أو توجيهاتٌ من قبل الفصائل الفلسطينية، ما كان سبباً لهذا الفشل الأمني الإسرائيلي. في الشهور الأخيرة، تراجعت هذه الموجة من أساليب الطعن والدهس، ولكن لكي تنبثق عنها، أشكال جديدة من الكفاح الفلسطيني المسلح، بالعودة إلى «حرب العصابات» وهي الأسلوب الذي كان معتمداً مع بدايات العمل الفدائي الفلسطيني، لكن الفارق الأساسي، في هذه الاستعادة لأسلوب حرب العصابات، أن تلك الحرب في بداياتها كانت تنطلق أساساً من خارج حدود سيطرة الجيش الاسرائيلي، غور الأردن شرقاً، والحدود مع لبنان شمالاً. تراجع هذا الأسلوب وعاد إلى حيث يجب أن يكون منطلقاً من الداخل الفلسطيني، في ظل الانتفاضة الفلسطينية الأولى بالتوازي مع اتفاق أوسلو، ومن ثم الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وما تلاها من مواجهات وحروب إسرائيلية في الضفة الغربية، كان أبرزها عملية السور الواقي في نيسان 2002.


ما شهدته الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين، تصعيد إسرائيلي خطير من جهة، ورد منظم ومنسق من قبل النشطاء الفلسطينيين، يشكل تحولاً هاماً في سياق المواجهة مع الاحتلال مع استعادة أسلوب العمل الفدائي في سياق الكفاح المسلح الفلسطيني، وإذ كانت القيادات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تبرر فشلها في مواجهة أسلوب الطعن والدهس، كونه أسلوباً فردياً غير منظم، فإنها الآن، وعلى ضوء نتائج المواجهات الأخيرة، تشير إلى مبرر أكثر خطورة وإيلاماً، إذ أشارت عدةُ جهات أمنية واستخبارية إسرائيلية، الى أنها بمواجهة أعمال مسلحة مدروسة ومنظمة ومحكمة، مع نقص في المعلومات، أو على الأقل، عن قدرة على تحليل ما توفر من معلومات استخبارية، الأمر الذي أدى إلى مواجهة فلسطينية للأعمال الأمنية الإسرائيلية، بشكل لم يكن ضمن حسابات المؤسسة الأمنية ـ الاستخبارية الإسرائيلية.


أكثر من ذلك، فإن هذه النتائج المتعلقة بفشل التصدي الإسرائيلي للمواجهة مع النشطاء الفلسطينيين كانت مرجحة، ومؤكدة في كثير من الأحيان، بالنظر إلى أن رد الفعل الفلسطيني كان متوقعاً حسب ما أفاد به قسم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الصيف الماضي، الذي أشار في إحدى إصداراته في ذلك الوقت إلى أن نشوب احتكاك في الضفة الغربية، أمر مؤكد، على ضوء جملة من المعطيات التي رصدها هذا الإصدار، التوسع الاستيطاني، عمليات الاعتقال وهدم البيوت وتشريد السكان، انسداد الأفق السياسي، تراجع الاقتصاد وزيادة عدد العاطلين عن العمل، كل ذلك من شأنه أن يفجر الأوضاع في وجه الاحتلال، كما جاء في ذلك الإصدار.


وفي وقت سابق، اعتمدت دولة الاحتلال، إضافة إلى قواتها المسلحة وأجهزتها الاستخبارية على المستوطنين في التصدي للنشطاء الفلسطينيين، وكانت تعول كثيراً في هذه المواجهات على الخلايا الاستيطانية المنظمة، وكان التوسع الاستيطاني أحد أدوات ردع أي انتفاضة قادمة في الضفة الغربية، إلاّ أن دولة الاحتلال، لم ترَ الوجه الآخر لهذا التوسع الاستيطاني، فإضافةً إلى أنه يشكل عنصراً محفزاً ومحرضاً للمواطنين الفلسطينيين لمواجهة هذا الخطر، فإن اقتراب هذا التوسع من مناطق سكن وأنشطة الفلسطينيين، ساهم في الاحتكاك الذي من شأنه إشعال جذوة المواجهة، فكلما اقتربت أماكن سكن المستوطنين وشبكات الطرق من أماكن سكن ووسائل تنقل الجمهور الفلسطيني، كان ذلك سبباً إضافياً لمواجهة الاحتلال ومستوطنيه، كما أنه يزيد من قدرة النشطاء على الاستطلاع وجمع المعلومات عن قرب، كل ذلك، يشكل حجر الأساس في سياق استعادة زخم العمل المسلح المسلح، الذي يجد في المستوطنات والمستوطنين، وشبكة الطرق والمواصلات والبنية التحتية الاستيطانية أهدافاً دائمة لعملياته.


وقد تنظر المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل، إلى نتائج المواجهات خلال الأيام القليلة الماضية في الضفة الغربية، على أنها فشل مؤقت نظراً لطابع التنظيم المفاجئ لها، إلاّ أن الأيام القادمة وفي حال توسع المواجهات، قد تفاجئ دولة الاحتلال، بأن هناك خبرات وتجارب جديدة، لدى النشطاء الفلسطينيين، ما قد يشكل المفاجأة الأكثر خطورة في سياق العمل المنظم في سياق حرب العصابات!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد