موسوعات غير قابلة للاختزال -بقلم: د. صبري صيدم

صبري صيدم - وزير التربية والتعليم

غداً الجمعة، وفي الرابع عشر من كانون أول؛ وككل عام، تحلّ علينا ذكرى يوم المعلّم الفلسطيني، ومع حلول الذكرى نجدها فرصة سانحة لنجدّد التحية لمعلمينا؛ سدنة المشروع الوطني، رُعاة الأجيال، ومؤصلّي الآمال، وحُماة العهد، فهم الذين برهنوا دوماً أن ولاءهم للوطن ليس مجرّد شك، فهم انحازوا لخيار العطاء والتفاني، وكتبوا أسماءهم في سجّل الجديرين بالتقدير.


ومع ظهيرة هذا اليوم، نحتفي في وزارة التربية والتعليم العالي بتكريم ثلّة من المعلمين/ات المبادرين/ات عبر إعلان معلم فلسطين للعام 2018، وتكريم الفائزين بجوائز صندوق الإنجاز والتميز، وسيغدو هذا الاحتفال تقليداً سنوياً نكرّم فيه النهج قبل الشخوص، مقدميّن ضمانات باستدامة الاهتمام بكل المبادرين العازمين على إحداث الفارق، وقريباً سنعلن الفائزين بجائزة سيادة الرئيس محمود عباس للإبداع والتميز التربوي لفئات المعلمين، والطلبة والمدارس. 


اليوم، نستعيد ذكرى معلمين رحلوا وهم يدافعون عن الوطن، ليظلوا حاضرين في قلوبنا، فكل التقدير للراحلين من أبناء الأسرة التربوية وللمعلمين والطلبة الأسرى والجرحى، فقد قدّم معلمونا ضريبة الوفاء للوطن وجمعوا بين العطاء والتضحية، وقدمّوا عديد النماذج التي جمعت في ثناياها بين صوْن القيم وبلوغ القمم، فبقي حضورهم" عصيّاً على الغياب"، وعلمّوا الدنيا كيف يكون الولاء للوطن قاسماً مشتركاً يظلّ ثابتاً وإنْ تباينت وسائل التعبير عنه.


ومع حلول يوم المعلّم الفلسطيني لهذا العام تكون حلقة تطوير المناهج الفلسطينية قد اكتملت، وعلى معلمينا نعقد الآمال بأنْ يستثمروا ما توفرّه هذه المناهج من فرصة للوصول للطالب الذي نريد، وللنظام التعليمي الذي نطمح، وندرك أن ما يتحقق من إنجازات تربوية فلسطينية على الصعيدين الإقليمي والعالمي إنما يتوّج تفاني معلمينا، وحرصهم على توظيف جهودهم كلها وخبراتهم لصالح التطوير التربوي المنشود. 


اليوم، نطلّ على معلمينا بتقدير لا يدانيه تقدير، في مدارس التحدّي والإصرار، وفي غزة ورفح، وفي الساوية واللبن، وفي الخان الأحمر؛ المدرسة المواصلة مديرتها ومعلماتها تقديم أنموذج استثنائيّ في فنّ العطاء الممهور بالانتماء، فلهم جميعاً بالغ الشكر، ولَكَمْ ألمس يومياً ومع كل زيارة ميدانية أن معلمينا استثنائيون حضوراً وعطاء، ولا أنسى توجيه التحية للكوكبة التي يممّت وجهها شطر الكويت فكان كلّ معلم منهم سفيراً في ثوب معلّم، وسنواصل السعي لتوفير الفرص الخارجية لمعلمينا ليرى العالم مدى ما يحوزونه من خبرات ومهارات ومعارف، وحين يصف خبراء دوليون نظامنا التعليمي بأنه الأفضل عربياً فهذه شهادة حقّ بحقّ معلمينا، فهم الركيزة الأساس في مدخلات هذا النظام، وعليهم نعوّل في هندسة مخرجاته وصولاً إلى نظام تعليمي عصريّ يؤسس لبناء دولة المعرفة والمؤسسات، وسنواصل تبنّي المزيد من برامج إعداد المعلمين وتأهيلهم وفخورون نحن بما تحقق من شراكة نوعيّة مع كليات التربية في الجامعات الفلسطينية من نجاحات على هذا الصعيد. 


اليوم، نزهو بما تحقق من إشادة بنظامنا التعليمي في تقارير البنك الدولي، ونباهي الدنيا بما أنجزناه في جائزة سمو الشيخ سالم الصباح للمعلوماتية، وفي تحدّي القراءة العربي، وفي معرض إنتل، وفي مسابقة تطبيقات التكنوفيشن، وفي مسابقات الحساب الذهني، وفي المشاركات الثقافية والرياضية والريادية، وما كان هذا ليكون لولا معلمينا الذين كتبوا أبجديّة التميّز بمداد الانتماء، فقد أبدع معلمو فلسطين أكاديمياً وثقافياً وفنياً ورياضياً وريادياً، فدانت لهم صدارة المشهد العالمي عن طيب خاطر. 


في يوم المعلّم الفلسطيني، وإذ نشكر مؤسستيْ الرئاسة والحكومة على طيب الإسناد لمعلمينا وللأسرة التربوية، ومنح إنجاز قانون التربية والتعليم اهتماماً خاصّاً، لنجدّد التزامنا بأن يظلّ المعلم الفلسطيني محور اهتمامنا، كيف لا وهو مبعث اعتزازنا، والأحرص على ألا تغيب شمس الإنجاز عن سماء المسيرة، فطوبى لكم يا من أنرتم جذوة الفعل، وصغتم ملامح ملاحم العطاء في أروع تجلياته. 


كل عام والمعلم الفلسطيني بألف خير، فما عهدناه إلا مثابراً، منتمياً، وفيّاً، متفانياً، مبادراً، طموحاً، واثقاً، بل هو كل ذلك وأكثر، وسيبقى معلمونا الأجدر بالاهتمام والرعاية لأنهم برهنوا في كل محطّات العطاء أنهم الأنقى والأرقى.


كل عام وفلسطين بألف خير، وهي دعوة لكلّ المؤسسات الرسمية ولمؤسسات القطاع الخاص ولأولياء الأمور وللمؤسسات الإعلامية للمبادرة لتكريم المعلمين لنجعل من كل ذكرى مناسبة للإطلالة من جديد على من يطلّون على المشهد صبيحة كل يوم اعتزازاً بالدور الذي يواصلون تأديته بعزيمة لا يعتريها قنوط أو يأس، متسلحين بنبالة الرسالة وقوة البأس؛ في رسالة هي الأنصع والأشرف من بين كل الرسائل، فـــ " المعلون ورثة الأنبياء"، ويكفيهم شرفاً هذا الاقتران. 


لا يتسع المقام للإحاطة بكل ما يمكن أن يُقال، فالعطاء الموسوعيّ لكلّ معلم يجعل من الاستحالة اختزال موسوعة في سطور قليلة، ولكني أختم بإزجاء التحيّة للمعلمين الذين علّموني، فبهم أعتز، ولهم سأبقى وفيّاً ما حييت، فليس أقل من الوفاء لأهل الوفاء، ومعهم ومن خلالهم أختم مزجياً تحيّة خالصة لكل المعلمين المتقاعدين الذين أرسوا لطيب البدايات، وأرسوا قيماً من بذل وعطاء علّ سفننا على شواطئ الأمان والإنجاز ترسو. 


دمتم بخير صنّاع الخير، وحفظكم الله شموساً ساطعات بها نفاخر، ومعها نمضي، ولها نبرق التحية، وبها نباهي الدنيا.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد