قبل فترة تحدثت تقديرات لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن قابلية انفجار الوضع في الضفة الغربية وإمكانية حدوث انهيار تام وفوضى، واليوم بعد حصول عمليات إطلاق نار ضد المستوطنين، وبعد تفاعل موضوع الضمان الاجتماعي تتعزز هذه الفرضية أكثر لدى الأوساط الإسرائيلية الأمنية. صحيح أن الكثير من القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتهمون السلطة الوطنية الفلسطينية بالتقصير في منع تنفيذ عمليات عسكرية ضد الإسرائيليين، بل ويتهمونها بالتسبب في هذه العمليات نتيجة لما يسمونه «التحريض» الذي تقوم به مؤسسات السلطة ووسائل إعلامها والقادة الفلسطينيون، ولكن هناك جهات إسرائيلية في المقابل حذرت من تفاقم سوء الأوضاع في المناطق الفلسطينية على أثر السياستين الإسرائيلية والأميركية، وإغلاق الباب تماماً في وجه التسوية السياسية وإمكانية حصول أي اختراق في إطار الجمود بل والموات الذي تعاني منه العملية السياسية. 


من الطبيعي ألا يقبل الشعب الفلسطيني استمرار الاحتلال وتواصل المشروع الاستيطاني الذي يهدد بصورة خطيرة إمكانية تحقيق السلام على قاعدة حل الدولتين، وخاصة إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين بصورة عادلة وفق القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية. وفي كل يوم يذكرنا الإسرائيليون بأنه لا يوجد أمل في تحقيق السلام العادل، وأن ما يهمهم فقط هو مصادرة الأرض وتهويدها والاستيطان عليها، بدءاً من القدس المحتلة وحتى آخر بقعة في الضفة الغربية بما فيها في قلب المدن والتجمعات الفلسطينية، وهذا ما تثبته عمليات شراء الأراضي في القدس وكامل الضفة على السواء. ومن الطبيعي كذلك أن يبحث الفلسطينيون عن طريقة للتخلص من الاحتلال الذي لا يمكنهم التعايش معه وهو يهدد مستقبلهم ويدمر حاضرهم ويحولهم إلى مواطنين بلا حقوق. وعندما لا يجد الناس حلولاً لدى القيادات وصناع القرار الذين يقفون عاجزين عن وقف هذا المشروع الاستعماري المجرم والمدمر سيبحثون هم انفسهم عن بدائل وخيارات نابعة من ظروفهم وفهمهم وإمكانياتهم، حتى لو كان بعضها لا ينسجم مع موقف القيادة ورغباتها.


 ولا يفيد إسرائيل كثيراً إلقاء اللوم على السلطة الفلسطينية أو على أي طرف داخلي أو خارجي طالما بقي الاحتلال والقمع ومصادرة الحقوق، فعملية إضاعة الوقت أو محاولة كسب المزيد منه لاستكمال المشروع الاستيطاني هو سلاح ذو حدين، فهو من جانب يساعد اليمين الاستيطاني على تحقيق أقصى ما يمكن من نتائج في إطار زيادة عدد المستوطنين وعملية تهويد الضفة وخاصة مناطق(ج) والقدس المحتلة، ومن جهة أخرى هو يقود المنطقة إلى حالة من الصراع أكثر تعقيداً وقسوة ودموية بعد فقدان الأمل في التوصل إلى حل يفضي إلى حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال الناجز، وعندما لا يصبح حل الدولتين قابلاً للتطبيق بفضل الوقائع التي تفرض بقوة الاحتلال على الأرض.

نحن في وضع تفقد فيه السلطة الوطنية والقيادات ثقة الجماهير وأي قدرة على التأثير فيها بسبب عدم القدرة على وضع حد للتدهور على كل المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يظهر جلياً في كل استطلاعات الرأي التي أجريت في الأشهر والسنوات القليلة الماضية وخاصة في العام الحالي. وحتى الانجازات التي تتحقق في الحلبة الدولية والأمم المتحدة على وجه الخصوص، وحصول قضيتنا على دعم دولي متجدد، لم يعد مقنعاً للناس بأن هذا هو المطلوب فعلاً، وهذا ما يمكن أن يساعدنا في وجه الاحتلال والاعتداء على أرضنا وحقوقنا.

 ولو أخذنا موضوع قانون الضمان الاجتماعي كنموذج لوضع السلطة سنجد أننا في وضع هش للغاية، حيث تحول الموضوع من محاولة لتعديل القانون إلى مناسبة عامة لمعارضة السلطة وربما الإطاحة بها، وتوافق في هذا المجال رأس المال الذي يخسر من تطبيق القانون والذين يطالبون بتعديلات منطقية وعادلة والمعارضة التي تريد هدم السلطة أو على الأقل إحراجها وإضعافها، وجهات أخرى مدفوعة بأجندات لا علاقة لها بالمسألة. وهذا كله بسبب عجز القيادة والسلطة عن مواجهة المشروع الإسرائيلي، وعجزها كذلك عن إيجاد لغة حوار مع الشعب، وللأسف فالناطقون والمحاورون لا يتقنون فن الاقناع وإدارة نقاش بناء ومقنع مع الجمهور، ويعتقدون أن المواطنين ملزمون بتبني موقف القيادة والحكومة كما هو. فحتى لو كان هذا الموقف صحيحاً ودقيقاً وله حيثيات لا يعرفها الجمهور، فمن باب أولى إيصال الفكرة للمواطنين وكسب تأييدهم لها. ولا يمكن إدارة الوطن بدون تفاهم واتفاق عام بين مكنونات المجتمع بغض النظر عن الخلافات السياسية والأيديولوجية والفكرية.


وهذا ينطبق على المسألة الوطنية، فلا يوجد مجال لتغيير الواقع دون اتفاق وطني عام، وبما أننا في حضرة ذكرى اندلاع الانتفاضة الأولى، فأهم انجاز حققته هي قدرتها على ضم كل فئات الشعب وقواه المختلفة خصوصاً في أيامها الأولى، ولعل تشكيل القيادة الوطنية الموحدة كان العامل الأبرز في تحقيق تفاهمات ووضع برامج يجمع عليها الشعب. وعندما نكون في وضع تشتت وانقسام ولا تحكمنا أـجندة وطنية واحدة فهذا يسهل على عدونا أن يتحكم بنا ويعمل وفق أجندته. الوضع هكذا سينهار في الضفة كما هو متهالك تماماً في غزة على الرغم من الحركة الشعبية التي سادت هناك والتي يجري توظيفها لخدمة أجندات حزبية ومصالح ضيقة. والخوف الحقيقي هو أن يتحول الوضع إلى فوضى تامة ونعود لمأساة الانتفاضة الثانية وندمر ما تبقى لنا. ولتلافي هكذا توقُّع لابد من المسارعة إلى نقاش جدي وعميق لخياراتنا السياسية والكفاحية وقبل كل شيء الذهاب إلى الوحدة الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد