يبدو ان بنك العقوبات الاسرائيلي نضب لكثرة استخدام ارصدته واحتياطاته في الحاق الاذى بالفلسطينيين، كلما قاموا بعمل لا ترضى عنه اسرائيل .
وما هدد به نتنياهو هو نوع من اجترار العقوبات القديمة، التي فرضت على الفلسطينيين على مدى عقدي اوسلو، ومركزها بالطبع تكثيف الاستيطان، وتجفيف الموارد المالية للسلطة ، ولقد بدا جليا ان عقوبات نتنياهو وفريقه تركز الان على الجانب المالي، وتلوح مثلنا بالذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، لتقديم شكاوى لعلها بذلك توازن المواقف وتشعر السلطة بان لديها ما تفعل على هذا الصعيد .
واذا جاز لي وفي وقت مبكر، ان أقوّم معركة مجلس الامن ومحكمة الجنايات بصورة موضوعية ، فانني اختار عنواناً اراه دقيقا في وصفها بل وتحديد اهدافها، فهي معركة تعديل مسار المفاوضات، وحمل العالم على اقتراح افكار جديدة وعملية لانهاء الصراع، عبر تفاوض مباشر يختلف كثيرا عن المفاوضات التي دارت زمنا طويلا في الحلقات المفرغة ، وأسفرت على الدوام، عن نتائج عكسية هي المزيد من تدهور العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، ورفع حواجز اضافية بين الجانبين تحول دون احراز أي تقدم ولو بالحفاظ على الوضع الراهن كما هو دون تدهور جديد.
في الوقت الحاضر، لا يمكن لاي سياسي موضوعي ان يتحدث عن سيناريوهات عاجلة لحل سياسي، فالنار ما تزال في اوج اشتعالها ، ونتنياهو بالذات يحتاج الى المزيد من صب الزيت عليها، فقد دخلت معركة مجلس الامن ومحكمة الجنايات الى صناديق الاقتراع الاسرائيلية، وصارت ناخبا مؤثرا في جمع الاصوات او تشتيتها .
وفي موسم الانتخابات عادة يغيب تماما أي تحليل منطقي ، ذلك ان كل حركة وسكنة تتصل بالصناديق وليس بالقرارات الفعلية.
اما امريكا التي وجهت خلال الفترة الماضية كل ضغوطها على الفلسطينيين، متجنبة الضغط على اصل العلة- كما يقولون انفسهم - وهو نتنياهو، فاقصى ما يستطيعون فعله هو التوسل الى اسرائيل ، كي تعيد الاموال الفلسطينية الى اصحابها دون ان تتخلى عن الضغط على الفلسطينيين للتراجع عن طرق ابواب مجلس الامن ومحكمة الجنايات، .
وبقدر ما يبدو الوضع مغلقا وعلى نحو ميؤوس منه على الاقل خلال موسم الانتخابات الاسرائيلية ، فاننا نستطيع رؤية فرصة مواتية لتحرك سياسي دولي، ليس لاحتواء الازمة او التخفيف من نارها ، وانما الذهاب الى ابعد من ذلك أي الاعداد لجهد يتبلور عقب الانتخابات الاسرائيلية مباشرة ، بما في ذلك تشجيع اوروبا وبالذات فرنسا، على المضي قدما في محاولة عقد مؤتمر دولي يمكن من خلاله احتواء التدهور المروع الذي اصاب المسار الفلسطيني الاسرائيلي، ويتيح لنا ان نأمل بتقدم في المسار السياسي، الذي وحده ما يخمد النيران ويبعد شبح الفوضى والذهاب الى المجهول.
ويبدو موضوعيا توجيه نصح الى الادارة الامريكية بتعديل طريقة عملها على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وما اعنيه بالضبط هو التخلي عن احتكار العمل اللامجدي في امر التسوية لمصلحة قيادة جهد اكثر نجاعة من خلال الرباعية الدولية، التي لا يعرف احد اين الحكمة من انهاء دورها رغم انها حين كانت تعمل لم تبتعد لا كثيرا ولا قليلا عن السياسة الامريكية حين كانت راغبة في احلال سلام متوازن بين الفلسطينيين والاسرائيليين .
ان احد اسباب اخفاق الجهد الامريكي الذي ادّاه الوزير كيري على مدى الاشهر التسعة، هو تهميش دور المساعدين الاساسيين الذين اجتمعوا في اطار الرباعية، وكانوا الى جانب نظرائهم العرب، يجسدون تمثيلا فعليا للعالم بأسره، فلماذا تم وضع الجميع في الثلاجة ، ولماذا لم ينتبه السيد كيري الى ان جهده المواظب والملح كان يحاول المشي على ساق واحدة بينما الساق الاخرى معطلة بقرار امريكي او اسرائيلي... لافرق.
لقد اتجه الفلسطينيون الى مجلس الامن ومحكمة الجنايات، ليس من اجل احداث انقلاب في قواعد اللعبة ... وليس من اجل طرد اسرائيل من المنطقة كما يحلو لنتنياهو ان يقول، ولا حتى من اجل الحصول على دولة من مجلس الامن او محكمة الجنايات، فالفلسطينيون اعرف من غيرهم بحدود قدرات هذه المؤسسات الدولية، في زمن النفوذ الامريكي الفعّال والفعّال جداً تجاه الفلسطينيين والعرب ، بل انهم كما استنتج يرغبون في انقاذ ما يمكن انقاذه من بقايا مسيرة سلام تحطمت ، بل وانقاذ مفاوضات جنح بها الاسرائيليون وجروا معهم الامريكيين الى منطقة اللاجدوى والعبث، وحين يدرك العالم ما يريده الفلسطينيون حقا، فليس امامه الا ان يعيد النظر في نهج ادارة الصراع بدل حله وعدم التسليم لامريكا وحدها بمرجعيته المطلقة.
ان الباب نحو حل سياسي تفاوضي جدي وعادل ومقنع، ينبغي ان لا يغلق. ومفيد التذكير بالشعار البليغ الذي اطلقه عرفات قبل عقود من على منبر الامم المتحدة حيث قال صادقاً ومخلصاً ... "لا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية