احتفل الشعب الفلسطيني ومعه كل أحرار العالم بانضمام فلسطين إلى معاهدة روما والتي بموجبها يكون بإمكان فلسطين محاكمة مسؤولين اسرائيليين على جرائمهم المتعددة والمستمرة ضد أبناء شعبنا. وجاء التوقيع في وقت شهد فيه المشهد السياسي الفلسطيني احتقاناً شديداً وتراشقاً إعلامياً لا طائل منه فأعاد تصويب البوصلة والاهتمام إلى القضية الأساس وهي إنهاء الاحتلال.
الآن وقد حصل ما كنّا جميعاً نتمناه ونطلبه، وجب أيضاً أن نتذكر مسؤولياتنا الجماعية وقد دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من المواجهة السياسية والقانونية شديدة الحساسية. توقيع معاهدة روما ومعاهدات دولية أخرى في غاية الأهمية هي البداية فقط وسيكون هناك عدة محطات تليها وسيكون لهذه المحطات ثمن يدفعه الكل الفلسطيني ويجب أن يكون مستعداً لهذا الثمن كما كان مشجعاً على الانضمام لهذه للمعاهدات.
اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وربما غيرهم من الدول ستمارس الابتزاز السياسي والمالي وأساليب أخرى من الزعرنة السياسية لطالما طبقتها على شعبنا وغيره في سبيل فرض إرادتها أو عقابها على خياراتها السياسية الحرة وهذا ما حدث في مجلس الأمن ليلة التصويت على قرار إنهاء الاحتلال.
أهمية ما حدث في مجلس الأمن يكمن في خلاصة الموقف السياسي الدولي الذي أثبت أنه لا يزال شريكاً أصيلاً في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في تقرير المصير والحريّة. أن تُفشل دول شريكة في نكبتنا المستمرة مشروع قرار كان عليه من الملاحظات الفلسطينية وغيرها ما لا يتسع له هذا المقال، كشف رياء ونفاق دولة مثل بريطانيا التي كانت اللاعب الأساسي في وعد فلسطين إلى غير شعبها ونكبتنا التي تستمر وتتجدد منذ العام ١٩٤٨.أن يكون نصٌّ كالذي تضمنه مشروع القرار مرفوضاً لدول عدة جاهرت بعدائها أو تخاذلت بامتناعها فدلالات هذه المواقف تتخطى في أهميتها نص مشروع القرار ومضمونه وتضع الشعب الفلسطيني أمام مفترق طرق سياسي مهم.
لقد فشل مجلس الأمن في تولي المسؤوليات المنوطة به حسب القانون الدولي وبهذا أعلن رضاه عن استمرار الاحتلال واستعداده للتعاطي مع مزيد من الجرائم التي ترتكبها اسرائيل ضد أبناء شعبنا بذات التخاذل والنفاق. نفاق قاد الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا لمعارضة أركان الحل كما تبنوه هم منذ أكثر من عشرين عاماً وبذلك جاهروا بانحيازهم للاحتلال ورغباته الاستعمارية التوسعية على حساب دمنا ولحمنا وكل أحلامنا.
هذه المعطيات تتطلب مسؤولية عالية من الجميع وعلى رأسهم حكومة الوفاق والفصائل الفلسطينية المتنوعة التي فشلت حتى الآن في إثبات تحملها للمسؤولية الوطنية بعيداً عن الفئوية والمناكفة الفصائلية ضيقة الأفق. نحن مقبلون على أيام صعبة ميدانياً وسياسياً واقتصادياً لا تتحمل الأداء الحالي للكل الوطني والذي لا يرتقي للحد الأدنى من المطلوب.
ومثلما كانت ليلة التصويت في مجلس الأمن لحظة انكشاف سياسي للمنظومة الدولية، فإن هذه المرحلة ستكشف حجم ودور الفصائل في حماية شعبنا وقضيتنا العادلة مما يمكن أن يواجهه من أخطار مالية وسياسية وميدانية. ليس مقبولاً اليوم أن يظل أداء كل هؤلاء أصغر من المرحلة والتحديات، مبنياً على الارتجال ومبهراً بجرعة غير مستساغة من الادعاء و"الهمبكة" حول شؤون جوهرية وأمور لا مجال للإدعاء الكاذب بالمعرفة بها.
وفي هذا السياق، يجب الإشارة أن حساسية الموقف تتطلب من المسؤولين والإعلاميين الكف عن الاجتهاد في التصريح حول محكمة الجنايات الدولية الدولية وأحكام القانون الدولي والامكانيات القانونية والسياسية المتاحة لفلسطين في هذه المرحلة. من غير المقبول أن تستمر التصريحات المتضاربة وتلك المبنية على التمنيات بدل الواقع وأخرى تصنع بقصد أو غير قصد شعوراً بالهزيمة وترسخ شعوراً بالفشل يعزز الإحباط الموجود أصلاً. هذه مرحلة لا تحتمل الشعارات الرنانة وأبراجاً تلمع مثل الرخام وهي لا تعدو كونها رسمات في خيال واسع يسعى للحظة لمعان تحت الأضواء ولو على حساب العقل وأعصاب العاقلين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية