لم يكن أحد يتوقع أن تصدر عن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير قرارات أكثر حزماً ووضوحاً من تلك التي اتخذها وخاصة فيما بتعلق بمستقبل العلاقة مع إسرائيل. فقد قرر المجلس بناء على قراراته السابقة «إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة والانفكاك الاقتصادي، على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس الاقتصادي لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة». وحتى أقصى المعارضة لم تطالب بما هو أكثر من ذلك، عدا عن الرفض الواضح والقاطع للمشروع الأميركي للتسوية السياسية. 


وعلى المستوى الداخلي وبالرغم من تحميل «حركة « حماس » المسؤولية الكاملة عن عدم الالتزام بتنفيذ جميع الاتفاقات» الخاصة بالمصالحة وآخرها اتفاق العام 2017، إلا أنه أبقى الباب موارباً ومنحها فرصة للعودة إلى تطبيق اتفاق 2017 الذي صادقت عليه جميع الفصائل. ولم يتخذ قرارات إضافية ضد «حماس» أو قطاع غزة ، بما في ذلك حل المجلس التشريعي الذي أوصى المجلس الثوري لحركة «فتح» بحله. وهذا على ما يبدو نوع من منح فرصة إضافية للجهود المصرية علها تفلح في استئناف تنفيذ اتفاق المصالحة من حيث توقف، وفرصة لحركة «حماس» لمراجعة مواقفها، على ضوء تعثر موضوع التهدئة ورفع الحصار عن غزة، ومحاولة إسرائيل والولايات المتحدة تطبيق فكرة «دولة غزة».

القرارات جميعها تُركت للجنة مكونة من الرئيس واللجنة التنفيذية وأعضاء آخرين من «المركزي» للبت في التنفيذ وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقة مع سلطات الاحتلال. أما موضوع العلاقة مع «حماس» فسيكون بحاجة لدراسة واتخاذ قرارات بشأنه. وعملية التفويض التي حصل عليها الرئيس أبو مازن واللجنة المكلفة، تمثل فرصة للتفكير في كل ما صدر عن المجلس أو لم يصدر عنه بشكل واضح، وفي كيفية التطبيق بناء على قدرة القيادة على التنفيذ وتحمل تبعات ذلك. وعلى الأغلب ستحتاج اللجنة إلى بعض الوقت قبل رفع توصياتها أو قراراتها بشأن كيفية تطبيق قرارات «المركزي».


لا ينبغي أن يغيب عن أحد مدى صعوبة وخطورة المرحلة التي نعيشها وأيضاً قدرة القيادة على الذهاب بعيداً في قراراتها. فعلى المستوى الإسرائيلي لا تشغل قرارات «المركزي» حيزاً جدياً في اهتمام الحكومة ولا حتى الرأي العام، ولسان حالهم جميعاً يقول «كنا في هذا الفيلم من قبل»، والتعقيبات التي صدرت عن كتاب وصحافيين وبالذات مراسلين للشؤون الفلسطينية والعربية تقول إن الفلسطينيين لن يطبقوا القرارات المتعلقة بوقف التنسيق الأمني ولا يرغبون في قلب الطاولة في العلاقة مع إسرائيل. وبعضهم بشّر باستمرار التنسيق وأن شيئاً على هذا الصعيد لن يحدث. والحكومة مستمرة في سياساتها الاحتلالية وتعتقد أن لديها القدرة على الرد على كل خطوة فلسطينية بصورة ملائمة وربما موجعة أكثر من الوضع القائم. والإدارة الأميركية لم يعد لديها ما تضيف على العقوبات التي اتخذتها بحق الفلسطينيين بعد نقل السفارة ووقف تمويل السلطة والمجتمع الفلسطيني ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وموقفها البائس من قضية اللاجئين عموماً. ولكنها تمتلك أدوات أخرى للضغط وهي الأنظمة العربية.


وربما أكثر ما يثقل على الموقف الفلسطيني هو الموقف العربي المنهار والخارج عن سياقات المواقف الإجماعية العربية التي تبنتها الجامعة العربية وتكررها في كل مناسبة وخاصة مبادرة السلام العربية. ولا شك أن أبرز معالم هذا الانهيار والانحطاط في الموقف العربي هو عملية التطبيع المتسارعة والمتزامنة  التي تشهدها عواصم عربية في الفترة الأخيرة والتي كانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدولة عمان نموذجها الفاقع، بالإضافة إلى زيارة وزيرة الثقافة والرياضة المتطرفة جداً والتي تريد قتل الفلسطينيين وإلغاء وجودهم مع فريق رياضي لدولة الإمارات العربية، وكذلك الوفد الرياضي لقطر. وكأن إسرائيل في حالة سلام شامل مع الدول العربية وكأنه لا يوجد احتلال إسرائيلي للأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي العربية، وكأن المبادرة العربية للسلام معكوسة وتقول التطبيع أولاً. فكيف يمكن للفلسطينيين أن يناضلوا ضد الاحتلال ويعيدوا النظر في الاتفاقات مع إسرائيل في وقت ي فتح فيه العالم العربي أبوابه للوفود الإسرائيلية على أعلى المستويات، وكيف يمكن أن يؤثر الموقف الفلسطيني على إسرائيل التي تحقق اختراقات مهمة في علاقاتها التطبيعية مع العرب؟ وماذا ستكون ردة الفعل الإسرائيلية ونحن نعلم أن إسرائيل تسيطر على كل مفاصل الحياة الفلسطينية؟ وهل القيادات الفلسطينية مستعدة لتحمل ثمن خطوات جذرية ضد إسرائيل في ظل الانقلاب العربي ضد القضية الفلسطينية؟

وفي إطار العلاقة بين السلطة ومنظمة التحرير وحركة «حماس» في حال فشلت الجهود المصرية وأصرت «حماس» على إبقاء سيطرتها على غزة والانخراط في المشروع الجديد، فهل ستعمد المنظمة لحل التشريعي، وكيف ستصبح عضوية من هم اليوم أعضاء في المجلس التشريعي وكسبوا عضوية المجلس الوطني والمركزي تحت هذا العنوان، وماذا يحل بعضويتنا في الأطر البرلمانية الدولية، وهل من وسيلة لمعاقبة «حماس» دون معاقبة شعبنا في قطاع غزة أي أن تقتصر الإجراءات العقابية على «حماس» وحدها؟ 

القرارات حازمة وقاطعة ومقبولة شعبياً، ولكن القدرة على التنفيذ في كل مجال ليست سهلة بل هي مقترنة بأثمان سياسية واقتصادية قد تكون مكلفة، فهل وصلنا إلى خط اللاعودة وسنذهب حتى النهاية مهما كلف الثمن؟ الإجابة على هذه التساؤلات ستكون في قرارات اللجنة المنبثقة عن «المركزي» والقدرة على التطبيق الدقيق والأمين لهذه القرارات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد