ما كان بالضرورة أن ينقضي اليوم الأخير في العام المنصرم المليء بالنكسات وخيبات الأمل، إلى ما آلت اليه الامور بالنسبة للملفين الأساسيين اللذين يشكلان العناوين الابرز لهذا العام. التصويت على مشروع القرار الفلسطيني العربي لانهاء الاحتلال، مني بالفشل، اذ لم تصوت عليه سوى ثماني دول، ما خفف عن الولايات المتحدة الحرج باستخدامها الفيتو، لو سارت الامور على نحو مختلف، فيما يتعلق بعدد الاصوات التسعة التي يحتاجها القرار.
الفشل الذي كان متوقعاً، وفق كل التقديرات، لا يعني ان القرار الفلسطيني خاطئ، بما أنه يؤشر على وجهة للسياسة الفلسطينية المطلوبة للتحول عن آليات ومرجعيات التفاوض، وعن احتكار الولايات المتحدة للملف، خلال عشرين عاماً مضت، غير أن هذا التحول كان يحتاج الى متطلبات أساسية تحضر لنجاحه، فضلاً عن اختيار التوقيت المناسب للتصويت على القرار حيث ان التشكيلة القادمة لمجلس الأمن تنطوي على ممكنات افضل.
أهم المتطلبات التحضيرية الغائبة، تتصل باستمرار حالة الانقسام، وتفاقم الخلافات الفلسطينية الداخلية، وتعطل عملية المصالحة، يتعلق الأمر، بالحاجة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وتنظيم أوراق القوة التي تستدعي الوحدة الوطنية، طالما ان القرار يدشن مرحلة تذهب في اتجاه فتح الصراع، وتوسيع دائرة الاشتباك مع الاحتلال، ومن يسهرون ليل نهار على رعايته، ودعمه وحمايته.
كان توفر العامل الداخلي القوي، العنصر الاساسي من متطلبات هذا التوجه، وهو ما يزال في بداياته، خصوصاً وان الوضع العربي، لا يسعف الفلسطينيين على تحقيق انجازات، او على حماية الإرادة الفلسطينية. الوضع العربي هش، ضعيف، وضعيف وهش الوضع الاسلامي، اللذان لا يصدر عن مؤسساتهما الجامعة سوى البيانات والتصريحات، التي تفتقر الى إرادة العمل الحقيقي الفاعل.
تبنى العرب القرار، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً يساعد على نجاحه، بل ان بعضهم راح يعمل من وراء الظهر، للضغط على الفلسطينيين ومعاونة المساعي الأميركية الهادفة لإفشال القرار في مجلس الأمن.
وعند الحديث عن العرب، فإن التوصيف يستثني العديد من الدول العربية المركزية، والكبيرة، الغارقة في صراعاتها الداخلية، وفي مواجهة اشد المخاطر التي تهدد الوحدة الجيوسياسية لهذه الدول. لفظة العرب اليوم تعني حصرياً، مصر ودول الخليج العربي، والجزائر والمغرب، وبعد أيام قليلة تونس، أما بالمضمون فإنها تعني الطاقات والمصالح العربية، والإرادات القادرة على الضغط والتحشيد، والفعل، والعرب بهذا المفهوم غائبون عن الوعي. وبالنسبة للعامل الداخلي ايضا، لا بد ان يكون التوجه نحو الامم المتحدة، جزءاً يتكامل مع اجزاء اخرى لاستراتيجية وطنية فلسطينية، هي غير متوفرة. لقد اختلف الفلسطينيون بالنسبة لمضامين القرار وآليات اتخاذه، وبدا وكأن الرئيس وبعض مستشاريه هم المسؤولون والمعنيون بالأمر فيما عكست التبدلات التي جرت على صياغة مشروع القرار، قدراً من التردد، الذي شجع أعداء فلسطين على مواصلة العمل من اجل إفشاله.
وعلى جبهة الصراع مع الاحتلال ايضاً، كان لا بد من دراسة الخطوات اللاحقة، للتصويت في مجلس الأمن فشلاً كما حصل، او نجاحاً كما كنا نتمنى. في الواقع فإن السيناريوهات اللاحقة لفشل التصويت تنطوي على قدر من الارتباك، وخلط الاوراق، وعدم الوضوح فالبعض يتحدث عن الاستعجال في الانضمام لمعاهدة روما، وبعض آخر يتحدث عن وقف التنسيق الامني، او وقف التعامل بالكامل مع الاحتلال، وبعض ثالث يتحدث عن حل السلطة.
ان الاستعجال في اتخاذ أي من هذه الخطوات بدون تحضير الساحة الداخلية والاتفاق الوطني على البدائل السياسية، من شأنه أن يزج بالوضع الفلسطيني في متاهات، مكلفة الثمن، بدون تحقيق انجازات مقابل الثمن المدفوع.
الملف الثاني وهو ملف المصالحة الفلسطينية ، الذي جاء السطر الاخير فيه في نهاية العام المنصرم، زيارة وفد وزاري من حكومة الوفاق الى قطاع غزة ، محملاً، بوعود لم يعد المواطن الفلسطيني يصدقها ما يخلق عند الناس خيبات أمل جديدة.
التصريحات التي صدرت من بعض الوزراء، أو باسم الوزارة توزعت بين التواضع باعتبار ان مهمة الوفد الاطلاع على اوضاع المواطنين في قطاع غزة وتخفيف معاناتهم، وبين المبالغة بتسويق مهمات لا قبل للحكومة على تحقيقها، من مستوى ان الوفد سيعالج كافة الملفات من ملف اعادة الاعمار الى ملفات المياه والكهرباء وما بينهما.
المحصلة تشير الى ان لا تغيير في المناخات السلبية التي كانت سائدة قبل زيارة الوفد، ما يعني مجددا ان الحل لمعالجة العقبات التي تعترض نجاح المعارضة، لم تكن بحاجة الى الحكومة وزياراتها، وانما هي تحتاج الى حلول سياسية. نقصد بالحلول السياسية المطلوبة، عودة الاطراف في اطار وطني جماعي الى طاولة الحوار مجددا لتصحيح الخلل الكبير، وسد النواقص الأساسية التي تعتري كل اتفاقيات المصالحة، واهمها الاتفاق على استراتيجية عمل وطني وبرنامج سياسي، يشكل مرجعية سياسية للعمل الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع المرجعية التنظيمية التي اتفقت عليها الأطراف خلال حوارات سابقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد