علمنا الواقع وحيثيات الربيع العربي أهمية تكامل العوامل الثلاثة لحماية النظام السياسي، أو إزاحته وهي: 


1 – تماسك القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي، التي توفر له الحماية والدفاع عنه، أو أنها تتورط في الاحتجاج ضده وعليه، ما يؤدي إلى بعثرته وتفككه وصولاً إلى هزيمته.  


2 – مهنية المؤسسة العسكرية والأمنية وإخلاصها الدستوري لشرعية النظام. 


3 – القرار الدولي الأميركي الأوروبي من طرف، والروسي الصيني من طرف آخر. 


في العلوم السياسية، تعلمنا أن لكل دولة قاعدتها الاجتماعية، تدافع عن نظامها وتحميه، ويستمد منها شرعيته واستمراره وحقيقة هي أن الكتلة الاجتماعية التي تدافع عن النظام، أي نظام، إنما هي تدافع عن نفسها وتحمي مصالحها، حينما تعمل على حماية نظامها وتدافع عنه، وهو العامل الأول أعلاه الذي لعب دوراً حيوياً في إسقاط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، نظراً لتدهور قاعدتهما الاجتماعية وخرجت الجماهير الشعبية التونسية والمصرية إلى الشوارع احتجاجاً ضدهما، رغم أنهما كانا يملكان أجهزة أمنية قوية متماسكة، ولكن الخلل بالقاعدة الاجتماعية لكليهما أدى إلى خروج الشارع بالاحتجاجات المتكررة التراكمية أمام عجز الأجهزة الأمنية في معالجة الاحتجاجات ولجمها، ما وفر الدوافع للمؤسسة العسكرية كي تتدخل، ولكن بعد أن حصلت على الغطاء السياسي من العامل الدولي الثالث، وأدى التفاهم بينهما إلى الإطاحة بالرئيسين إضافة إلى القذافي بعد التدخل العسكري الدولي المباشر، حيث تكاملت العوامل المحلية مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية مع القرار الدولي الذي وفر الغطاء والشرعية لإزاحة الرؤساء الثلاثة بن علي ومبارك والقذافي. 
فالعامل الخارجي الدولي بات مؤثراً على مسار الأنظمة وحكامها، ولم يعد أحد محصناً من التدخلات الأجنبية وتأثيرها على سير الأمن الداخلي لدى البلدان الضعيفة التي تعتمد على المساعدات والمعونات الأجنبية، ويغيب تأثير العامل الخارجي الدولي حينما لا يستطيع التسلل داخل المجتمعات المتماسكة الموحدة. 


الاتحاد السوفييتي الدولة العظمى حينما صابها الخلل الداخلي ومس بقاعدتها الاجتماعية تساقط نظامها السياسي كالكرتون، وبسبب غياب العامل الخارجي الذي كان يحميها المتمثل بالاتحاد السوفييتي، تساقطت بلدان أوروبا الاشتراكية كورق الخريف واحدة بعد الأخرى، أمام قوة الاحتجاجات الجماهيرية الداخلية نظراً لعدم تماسك قاعدتها الاجتماعية ونظامها السياسي الحزبي المنفرد الواحد. 


في سورية لم يسقط النظام رغم الاهتزازات الداخلية والضربات العسكرية الموجعة من قبل المعارضة المسلحة، ويعود سبب ذلك إلى العامل الخارجي الذي لم يكن موحداً في الموقف نحو إسقاط النظام، فقد انقسم الموقف الدولي بين معسكرين متناقضين أحدهما برئاسة الولايات المتحدة ومعها أوروبا وتركيا وبلدان الخليج العربي عمل على دعم المعارضة المسلحة، والثاني برئاسة روسيا ومعها الصين وإيران عمل على دعم النظام وحمايته، ولذلك فشلت كل محاولات إسقاط النظام السوري، بينما نجح الموقف الخارجي والقرار الدولي بإسقاط الأنظمة وتغيير قياداتها لدى تونس ومصر واليمن والعراق، نظراً للعامل الدولي الذي كان موحداً وفشل في سورية لأنه لم يكن كذلك، وقد سبق أن سمعت وزير الخارجية الروسي في وقت مبكر من العام 2012، قوله أمام أحد المسؤولين العرب "لقد انفردت الولايات المتحدة بالعراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي، ولكنها لن تتمكن من سورية" وهذا ما حصل بعد سنوات. 


إذا القاعدة الاجتماعية وتماسكها لأي نظام سياسي، شرط ثبات النظام واستمراريته وحمايته وأمنه، وأي خلل فيها يؤدي إلى الخلل الباهظ بانعكاسه على مجمل الوضع السائد لدى الدولة الوطنية.  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد