2014/12/29
276-TRIAL-
لم يحمل العام 2014 أياً من الإنجازات الحقيقية للفلسطينيين، ويمكن لحصاده أن يضيف إلى سوء الحال المزيد من النقاط. ورغم ان الكثير من ذلك قد لا يكون بيد الفلسطينيين، وهو بطبيعة الحال ربما اكبر من طاقاتهم، إلا أن إدارة الأزمات مهما تكالبت الظروف كان يمكن لها ان تكون أفضل. وبما أن السنين لا تمضي بلا رجعة، إذ إن أثرها يظل كجروح الوجه بارزة ودالة، فإن ما حمله 2014 من أحداث وتطورات سيظل يلقي بظلاله على العام القادم والسنين التي تليه.
ميدانياً، كان العام 2014 عام تصعيد بامتياز سواء في قطاع غزة حيث عدوان الصيف أو في الضفة الغربية حيث العدوان مستمر وبشكل يومي. لم يكن الوضع الميداني أكثر صعوبة ولا خطورة في السنوات السابقة عما كان عليه هذا العام. فالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استمر 51 يوماً خلف قرابة 2174 شهيداً و10870 جريحاً منهم 3303 أطفال بجانب تدمير آلاف المباني والشقق السكنية والمنشآت والطرقات والبنى التحتية. بالمعنى الرقمي فقد كان العدوان الأكثر مرارة الذي تعرض له القطاع. إذ إن العدوان العام 2012 خلف 155 شهيداً وعدوان العام 2008-2009 خلف 1417 شهيداً و4336 جريحاً.
بيد أن بشاعة هذا العدوان لم تكن بمقارنته بالأرقام بكل عدوان سبقه، بل أيضاً بحقيقة الخوف والرعب الذي نشره بين الناس. ورغم ذلك فقد كانت المقاومة الفلسطينية ومقدرة الردع الفلسطينية أعلى من أي وقت مضى ونجحت في ان تخرمش وجه الغول الذي أراد افتراس غزة. بالطبع يمكن لقراءة نقدية متعمقة أن تقول إنه كان يمكن القبول بالمبادرة المصرية مبكراً وتجنيب القطاع أكثر من خمسة أسابيع من العدوان. ومع هذا فإن إدارة الأزمة سياسياً كان ناجحاً إذ ان الاتفاق الفلسطيني على تشكيل وفد تفاوض موحد وموقف السلطة والرئيس محمود عباس والدبلوماسية النشطة التي تمت طوقت مقدرة إسرائيل على تسويق تمزيق غزة بوصفه انتقاماً مشروعاً لمقتل الفتية المستوطنين الثلاثة في الخليل.
ومع هذا، فإن النتيجة التي سيتركها العام 2014 علامة بارزة على الخد هي هذا الجرح النازف المعروف بإعادة الإعمار. فمشاهد البيوت المدمرة والأبراج المهدمة والطرقات المكسرة والعائلات المشردة، والأحياء التي تحولت إلى مشاهد من أفلام الرعب، وعدم إنجاز موضوع إعادة الإعمار كلها حولت الحرب ليس إلى مجرد ذكريات مؤلمة، بل أيضاً إلى واقع يعيشه الناس يوماً بيوم. وحتى لا تكون حربنا القادمة من اجل كيس الإسمنت لا بد من التوافق على خطة وطنية تجعل إعادة الإعمار مهمة قابلة للتنفيذ وليست موضع انقسام.
الوضع في الضفة الغربية لا يبدو أحسن حالاً، إذ ان التهويد والاستيطان وابتلاع الأراضي والقتل والتدمير على أشدها هذا العام. بالطبع كانت القدس الجمرة الملتهبة هذا العام، وثار المقدسيون في وجه الاحتلال ببسالة كبيرة. كما استبسل المواطنون في الدفاع عن ارضهم أمام غول الاستيطان إلا ان إسرائيل التي تضرب كل القوانين بعرض الحائط ولا تأبه لكل الاعراف والشرع الدولية واصلت سياساتها الإحلالية، فيما ناقوس الخطر يدق بألم.
اما المصالحة، البقرة المقدسة الهاربة في غابات معتمة، فرغم الاهتزازات التي تلقتها وتحرك جسدها الميت اثرها قليلاً، ما زالت ترقد عملياً في ثلاجة الموتى. يمكن لبعض الصور التي يضمها ألبوم 2014 أن تشير إلى ابتسامات وضحكات ومصافحات، لكن التعليق الأخير في الألبوم يقول إن المصالحة «على حطة إيدك». فالاتفاق الذي تم في غزة خلال زيارة وفد منظمة التحرير برئاسة عزام الأحمد مع حركة حماس وأعلن بعده عن ميلاده حكومة الوفاق لم ينه الانقسام. وأنا ممن قالوا بعد أسبوعين من تشكيل حكومة الوفاق وعلى هذا الصفحة إن ثمة حكومة سرية تدير شؤون غزة، وهو نقاش بات جزءاً من الخلاف السياسي بعد ذلك، إذ إن الحكومة لا تحكم ووزير الداخلية وهو رئيس الوزراء لا يعرف شيئاً عن شرطة غزة، ووزراء غزة لا علاقة لهم بوزاراتهم بالضفة ووزراء الضفة لا يعرفون شيئاً عن وزاراتهم في غزة. بكلمة أخرى كل ما فعلناه بعد المعركة وتكسير الأواني وتمزيق الأوراق اننا غطينا الطاولة بشرشف انيق وأقمنا حفلة لهو حول الطاولة، فيما تفاصيل الخلاف والاقتتال تعتمل وتمور تحت الشرشف.
وأمام اول اختبار ظهر كل شيء على حقيقته. فحماس تمنع احتفال فتح بذكرى استشهاد ياسر عرفات العاشرة بدعاوى عدم مقدرتها على تأمين الاحتفال بعد وضع عبوات على منازل بعض من قادة فتح، ليعود التراشق الإعلامي والخطابي. وفيما كان من المفترض أن تتجه المصالحة قدماً إلى الأمام ظهر لدى البعض في غزة خطاب ومفردات تعزز الانقسام وتتجه لتعزيز فصل غزة عن مجمل المشروع الوطني من باب «انتصار غزة» و»شعب غزة» و»غزة إلى أين؟»، وعقدت بعض ورش العمل ومؤتمرات بمشاركة حماس، وهو مؤشر خطر لا بد من التوقف عنده. إذ ان عدم انجاز المصالحة يفتح شهية الكثيرين مما لا يجدون انفسهم إلا بالإحالة «لغزاويتهم» لتعزيز الفرقة.
اما العملية السياسية ورغم العنف السياسي الذي تشهده فلم تنجح حتى الآن في إحداث اختراق كبير تجاه تحصيل الحقوق، وظل مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن يواجه باحتمالات الاخفاق والتعثر على عتبة الأصوات التسعة او الفيتو. وما لم يأخذ العرب وحلفاؤهم موقفاً حازماً تجاه المؤسسة الدولية وربما العضوية فيها في ظل إصرار واشنطن على قمع الحقوق الفلسطينية، فإنه من المتعذر ان ينجح الفلسطينيون في القتال وحيدين. إن بنية النظام الدولي برمتها بحاجة لإعادة نظر، ويمكن لمعركة دولة فلسطين وضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الاحتلال ان تكون بداية ذلك من باب «إن ما كبرت ما بتصغر»، كما يقول المثل الشعبي.
الحصاد المرير للعام 2014 يجعل البحث عن أفق جديد في العام القادم مهمة صعبة ولكن ملحة، إذ إن واقع الحال لا يحتمل الاستمرار لا سيما في ظل انشغال المحيط الإقليمي بأزماته ومشاكله الداخلية. الخروج من هذا النفق المظلم يحتاج إلى أكثر من مجرد الرغبة والإرادة؛ العمل الجاد والكثير من الألم. 106
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية