كثيرون علقوا على خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة سلباً وإيجاباً، فالذين انتقدوا الخطاب رأوا أنه لم يكن بمستوى التوقعات، حيث اعتقد هؤلاء أنه كان يتوجب على الرئيس أن يعلن عن خطوات محددة أكثر فيما يتعلق بالرد على « صفقة القرن » والمشروع الأميركي الإسرائيلي، والبعض توقع أن يقوم الرئيس بالإعلان عن وقف أو تغيير صورة العلاقة مع إسرائيل وخاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني على وجه الخصوص وإعلان موت «أوسلو» والتنصل من الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي. وربما يكون هناك من اعتقد أنه من المفروض أن يكون الخطاب نارياً ويقلب الطاولة تماماً ويخلط كل الأوراق. وكانت التعليقات الأكثر انتشاراً على قيام الرئيس بذكر موضوع حركة « حماس » والمصالحة، على اعتبار أن هذا شأن داخلي لا يتوجب طرحه في هكذا موقف وخاصة الجزء المتعلق بعدم تحمل المسؤولية عن غزة إذا لم تلتزم «حماس» بالاتفاقات معها مثلها مثل إسرائيل والولايات المتحدة.


أما المؤيدون للخطاب فقد رأوا أنه يحمل تهديداً واضحاً لإسرائيل وأميركا وأنه قوي بما يكفي لكي يجعل المجتمع الدولي يرى صورة الأوضاع الخطيرة التي يمكن أن تنتج عن استمرار السياستين الإسرائيلية والأميركية. وأن قوة الخطاب كانت تكمن أن الفلسطينيين على الرغم من ضعفهم رفضوا الموقف الأميركي وتحدوا إدارة ترامب كما لم يفعل اي طرف آخر في العالم. وأن الرئيس أبو مازن أبقى الباب موارباً لإتاحة المجال أمام التدخلات الدولية خاصة بشأن الوساطة المتعددة الأطراف. وأيضاً كان الخطاب يحمل طلباً محدداً وقوياً لكل الدول التي تعترف بحل الدولتين للاعتراف بالدولة الثانية «فلسطين» بشكل واضح كما تعترف بإسرائيل.


 وكما هو متوقع لن يرضي الخطاب جميع الأطراف مهما قيل فيه وحتى لو كان أكثر حدةً وتشدداً مما حمل مضمونه. وهذا طبيعي في الساحة الفلسطينية، ولكن المهم ما بعد الخطاب، هل نملك خطة استراتيجية أو تكتيكية لمعالجة الوضع المتأزم الذي نعيش، أم أننا سننتظر اجتماع الجمعية العامة القادم مع خطاب آخر قد يكون أكثر تفصيلاً وقوة أو تكرارا لمواقفنا المعروفة؟


من الواضح أننا نعيش أكبر أزماتنا ليس فقط على المستوى الخارجي اي في مواجهة إسرائيل والموقف الأميركي الذي تتبناه إدارة الرئيس دونالد ترامب، بل وبصورة أكثر شدة وخطورة على المستوى الداخلي والانقسام بين غزة والضفة، الذي يهدد مستقبل قضيتنا برمتها. ولا يبدو أن هذا الموضوع في طريقه إلى الحل القريب على الرغم من الأخبار التي تأتي من القاهرة وتقول أن هناك مرونة معينة في موقف حركة «حماس» من جدولة الخطوات التنفيذية للاتفاقات السابقة. فالأمور لا تزال بعيدة عن التطبيق الفعلي والسريع لاتفاق المصالحة والوحدة الوطنية بسبب مصالح وتشابكات محلية وإقليمية.


يعتقد الرئيس أبو مازن أن الإدارة الأميركية وإسرائيل تريدان الالتفاف على الرفض الفلسطيني للصفقة المشؤومة غير المعلنة عبر غزة من خلال اتفاق التهدئة وتكريس الانقسام بعيداً عن القيادة والسلطة لإضعاف الطرف الفلسطيني وتمرير هذه الصفقة تحت شعار الحاجات الإنسانية لمواطني قطاع غزة، وقد يكون هذا السبب الذي يكمن وراء قيام الرئيس بذكر مسألة «حماس» في الخطاب بخلاف لرغبة الكثيرين حتى من أوساط قيادة «فتح» الذين رأوا أنه لا ينبغي التطرق للشأن الداخلي في الخطاب. وبالنسبة للرئيس أبو مازن يظهر أن هذا لم يعد شأناً داخلياً صرفاً.


على كل حال يبدو أن التهديد الأسرع للتنفيذ في خطاب الرئيس هو باتجاه غزة، وكما قال لن ينتظر طويلاً بمعنى أن الفرصة المتاحة حالياً للأشقاء في مصر لإنجاز اتفاق والبدء بتطبيق ما تم الاتفاق عليه سابقاً محصورة بفترة زمنية قريبة جداً قد تكون حتى انعقاد المجلس المركزي الذي قد يعقد في 15 أو 20 من هذا الشهر.  وإذا لم يحدث الاتفاق ووصلت الجهود المصرية إلى طريق مسدود وأعلن المصريون أنه لم يعد باستطاعتهم تحقيق اختراق بهذا الملف، فمن المتوقع أن تقوم السلطة بتنفيذ سلسلة خطوات عقابية ضد غزة، وهذه المرة ستكون «حماس» في مركز الاستهداف أكثر من اي وقت مضى.


بطبيعة الحال أي إجراءات جديدة ضد غزة ستمس بالمواطنين جميعاً بغض النظر عن موقفهم وولائهم السياسي. كما هو الحال في تقليص رواتب الموظفين العاملين في أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية. وهذه المرة ستكون الخطوات المقترحة كما تم تسريبها في وسائل الإعلام سواء طبقت بشكل كامل أو جزئي شديدة الوطأة على غزة المنهارة أصلاًـ والتي تعاني قسوة الظروف نتيجة للانقسام والحصار وحكم «حماس» وإجراءات السلطة. وقد تقود خطوات من هذا القبيل «حماس» إلى الذهاب نحو الحرب بدلاً من التوجه نحو المصالحة، على الأقل هذا ما فهم من لهجة تصريحات قادة «حماس» في الفترة الأخيرة وهي قد بدأت التصعيد ضد الرئيس والسلطة حتى قبل ذهابه إلى الأمم المتحدة.

والسؤال هنا يوجه لـ»حماس» هل ستحل الحرب القادمة مشكلة غزة أم تفاقمها وتعقد الوضع وتعيدها إلى المربع الأول؟ كما أن هناك سؤالا موجها للقيادة : هل الخطوات القادمة والألم الذي سيتم التسبب به لمواطني قطاع غزة سيسرع في إنهاء معاناتهم وحل مشكلة الانقسام؟ على الجميع أن يدرس خطواته ويفكر في الشعب وفي قضيته التي تتعقد أكثر فأكثر. فالمطلوب هو الوحدة وإنهاء معاناة مواطني غزة وإنقاذ مشروعنا الوطني .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد