لكل مواطن الحق في العيش في مناخ فكري حر، والمشاركة في الحياة الثقافية، وتنمية مواهبه الفكرية والإبداعية والتمتع بثمار التقدم العلمي والفني، وحماية حقوقه المعنوية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من إنتاجه بما لا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع وسيادة القانون، وللصحفيين والمواطنين الفلسطينيين حق الحصول على الأنباء والمعلومات بشفافية ومسؤولية طبقا للأوضاع التي ينظمها القانون، ونسعى من خلال هذا المقال التوصل إلى دمقْرَطَةِ منظومة للإعلام الفلسطيني والنهوض بالخدمة العمومية، والبحث عن ترسيخ قيم التعددية وحرية التعبير والإعلام، فضلًا عن دراسة الأُطُر القانونية والضوابط الأخلاقية لتنظيم صحافة المواطن.

نَصّ القانون الأساسي الفِلسطيني المُعدّل لعام2003 وتعديلاته لعام 2005 في المادة (10) على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، ويتضح من نص المادة أن المشروع الدستوري الفلسطيني أكد على إلزامية ووجوب احترام الحقوق والحريات العامة من قبل السلطات العامة في الدولة والأفراد, وفي المادة رقم (11) نص على ان الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس, ويؤكد في المادة (19) أنه لا مساس بحرية الرأي ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون. وفيما يتعلق بحقوق وسائل الإعلام وحرياتها جاء نص المادة (27) كالأتي:

تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حق للجميع يكفله هذا القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون.

حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث. وحرية العاملين فيها مكفولة وفقا لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة.

تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي .

مُنذّ القرن السابع عشر الميلادي أصدر البرلمان البريطاني عام 1689 "قانون حرية الكلام في البرلمان" ثم جاءت الثورة الفرنسية لتصدر"إعلان حقوق الإنسان والمواطن" عام 1789، وتشير المادة 11 من هذا الإعلان الفرنسي إلى "حرية نشر الأفكار والآراء"، كما تؤكد على حق كل مواطن في "الكلام، والكتابة والطباعة بشكل حر، وتلتزم الدول العالمية باحترام الحق في حرية الرأي والتعبير لجميع الأفراد المنصوص عليه في المادة 19من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة19 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، ونلاحظ بأنه لا توجد إلا إشارتان صريحتان إلى موظفي وسائط الإعلام في القانون الإنساني الدولي "المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية, بشأن الصحفيين الذين يباشرون مهاماً مهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح, والمادة 4 أ 4 من اتفاقية جينيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب" اتفاقية جينيف الثالثة" بشأن مراسلي الحرب" وبذلك تسري على الصحفيين جميع الأحكام المتعلقة بحماية المدنيين في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية، لكن قد يعاب على هذه الأحكام القانونية تضمنها صبغة تمييزية مُقنّعة لصالح حماية الصحافة الاحترافية في حين كان الأولى إعطاء حماية خاصة ب " صحافة المواطن" إذ يتمتع الصحفي المحترف بالتكوين والتدريب الذي يكفل له المقدرة على تفادي المخاطر وفق قرار مجلس حقوق الإنسان، 15/24 في ( 8 أكتوبر2013 ( والمرتكز على تعزيز التدريب في مجال حقوق الإنسان للإعلاميين والصحفيين, في حين يعد المواطن الصحفي هاوياً غير متدرّب.

لقد شدد قرار مجلس الأمن بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة القرار رقم 1738-2006 والقرار 16/12- وفي هذا الإطار قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قرار إدانة ضد أوكرانيا على خلفية وفاة مواطن صحفي كان ضحية تهديد عندما حقّق ونشر في مقالاته حول فساد الاختلاسات للموظّفين وقام بالشكوى أمام السلطات التي بقيت دون ردة فعل حوالي أكثر من شهر إلى أن وجد ذاك الصحفي مقتولا. وأسست المحكمة إدانتها على المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. والمادة 2 من الاتفاقية ذاتها التي تحمي الحق في الحياة الخاصة, واستند القضاة في هذه المناسبة إلى الأحكام التي تبنيها من قبل الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي في توصيته 1239 لذا وجب أن تفصل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حول "الضرورة" بالنسبة للدول في أن تحمي فعلياً حياة المواطن الصحفي، حتى المعارض والحامل لأراء الأقلية بشكل أساسي, وأن تقضي بأن " لا تتوقف الممارسة الحقيقية والفعلية لهذه الحرية (التعبير) لكن أن تتطلب تدابير إيجابية للحماية فيما يخص علاقات الأفراد فيما بينهم" وإعمال الحق أو تيسير التمتع به.

وبناءً على ما سبق يستلزم الوضع القائم مواءمة التشريعات المحلية والقوانين مع التشريعات الدولية لأن حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو الفن أو غير ذلك من وسائل التعبير في إطار القيم الأساسية للمجتمع. وحماية الحريات الشخصية والعامة وحقوق حرية "صحافة المواطن" بإقرار قوانين جديدة لحماية المواطن الصحفي بمختلف الصور خصوصاً وأن الأسانيد القانونية ترتكز على مفاهيم قديمة وأساليب ووسائل تقليدية تفتقر إلى الإلمام والمقدرة على حمايتهم، وأن نستفيد من تجارب الدول المتقدمة السباقة في تنظيم صحافة المواطن سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني خلال القوانين المنظمة لتكنولوجيات الاتصال الحديثة وضرورة التوصل لإيجاد ميثاق شرف خاص بـ" حرية صحافة المواطن" و بناء منظومة إعلامية حديثة ومستقلة ومهنية ذات أفق وطني ديمقراطي تحرري.

وبعد الاطلاع على العديد من الدراسات القانونية والإعلاميةـ استطعت تحديد مجموعة من القواعد للتوصل إلى ميثاق شرف للعاملين في "صحافة المواطن" يراعى الاعتبارات الأخلاقية والدينية والثقافية بقصد تقليص مخاطرها قدر الإمكان كونها تفتقد لصفة الإلزامية .

يجب أن يعمل المواطن المراسل الصحفي بروح أن جميع المواطنين مراسلين, وأن يعرف عن نفسه بوضوح مواطن مراسل صحفي خلال قيامه بتغطية الأحداث الجارية.

لا ينشر المواطن المراسل الصحفي معلومات كاذبة ولا يكتب مقالات تستند إلى افتراضات أو تكهنات لا ترتكز إلى أي أساس وأن لا يستعمل لغة بذيئة أو مبتذلة .

لا يلحق المواطن المراسل الصحفي الضرر بسمعة الآخرين من خلال كتابة مواضيع تنتهك الخصوصية الشخصية.

لا يلغي أية معلومة نشرها سابقاً للعموم وإذا ما لاحظ إخلالات، عليه أن يضيف إليها الجديد وأن يصوبها, فإعادة كتابة أو حذف معلومة نشرت لا يستقيم .

يستعمل المواطن المراسل الصحفي أساليب مشروعة لجمع المعلومات ويبلّغ مصادره بوضوح أنه ينوي تغطية الحدث.

لا يستعمل المواطن المراسل الصحفي مركزه لتحقيق مكاسب غير منصفة.

لا يضخم المواطن المراسل الصحفي أو يشوّه الحقائق لمصلحته أو لمصلحة أيّ منظمة ينتمي إليها .

يعتذر المواطن المراسل الصحفيّ تماماً للعموم وبسرعة عن أيّ تغطية خاطئة أو غير ملائمة من أي ناحية أخرى.

إن صحافة المواطن باتت تشكل معادلة جديدة من خلال تغطية إعلامية للأحداث الفلسطينية كمسيرات العودة الكبرى واقتحامات المدن المتكررة في الضفة الغربية والتنكيل بالمواطنين على الحواجز الإسرائيلية وتهويد المسجد الأقصى والاستهداف المتعمد والمباشر للصحفيين الفلسطينيين، وباتت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تستغل مضامين صحافة المواطن المصورة لرفع دعاوي قضائية على الاحتلال الإسرائيلي ونقلها لمؤسسات حقوق الإنسان الدولية وحركات التضامن الدولي وتسليم المضامين إلى لجنة تقصي الحقائق الدولية لإثبات جرائم الاحتلال في حق المواطنين والمتظاهرين السلميين وفضحهم في المحافل الدولية، فلم تعد تغطية الأحداث في الأراضي الفلسطينية تقتصر على عمل الصحفيين المحترفين وأدواتهم, فقد تمكن المواطنين الصحفيين من تطويع الهواتف الذكية وغيرها من الأدوات لخدمة الأهداف الفلسطينية فأضحوا بذلك نشطاء وصحفيين يردون على أكاذيب الاحتلال وافتراءات الدعاية الإسرائيلية التي تستغل النشاط الاتصالي للمواطن/الفلسطيني عبر منصات الميديا الاجتماعية لإعادة "تدوير" الرسائل التي ينتجها بعد معالجتها دعائيًّا بما يتواءم مع أهدافه السياسية الإعلامية الإسرائيلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد