233-TRIAL- دشن الشعب التونسي الشقيق جمهورية دولته الثانية، باعلان نهاية المرحلة الانتقالية ووصول الباجي قائد السبسي كأول رئيس لهذه الجمهورية، مؤسس حركة "نداء تونس"، هذه الحركة التي سبق وان فازت بالنسبة الاكبر من مقاعد البرلمان في انتخابات سابقة قبل اشهر قليلة، وهكذا، فإن حركة "نداء تونس" باتت المهيمن على الحياة السياسية الشرعية، برلماناً ورئيساً وحكومة، اذ ووفقا للدستور التونسي الجديد، فإن رئيس الجمهورية هو من يختار رئيس الحكومة، وقد يشكل هذا الجمع بين مختلف الهيئات السياسية السيادية في اطار حزب او حركة واحدة، تخوفا له ما يبرره بعودة الاستبداد في اطار دستوري، الا ان الشعب التونسي الشقيق، قائد ومحرك الربيع العربي، لن يسمح بالتأكيد بتحويل هذه التخوفات الى حقائق، وهو عندما اختار من خلال صناديق الاقتراع، حركة "نداء تونس" لكافة هذه الهيئات الدستورية، انما كان يهدف الى الاطاحة بالمتسللين الى قيادة الثورة والتوجه نحو الاستقرار بعد السنوات الانتقالية التي اعقبت ثورته.
يحاول بعض المشككين من خلال العودة الى تجربة الرئيس السبسي وادواره السياسية في عهد بورقيبة وبن علي، التشكيك في الانتقال الديمقراطي الى الجهة الثانية وبالتالي الخشية من العودة الى الوراء، هؤلاء يتجاهلون دور السبسي في اللحظات التاريخية التي اعقبت الثورة، فبعد الاطاحة ببن علي عام ٢٠١١، نودي على السبسي لرئاسة حكومة انتقالية، استدعي لانقاذ البلاد من الفوضى، ونجح في قيادة البلاد حتى موعد انتخابات تشريعية حرة هي الاولى في تاريخ تونس، وهي الانتخابات التي فازت بها حركة النهضة، وقام السبسي بتسليم السلطة الى الرئيس المؤقت منصف المرزوقي ورئيس الوزراء حمادي الجبالي .. يتناسى البعض هذه الحقائق مع انها لا تزال في الذاكرة الشعبية القريبة، ذاكرة الشعب التونسي كانت هي الاداة التي اسقطت منافس السبسي بعد تجربة الحكم لحوالي سنوات ثلاث.
حاول المرزوقي مع بداية ظهور النتائج لصالح خصمه، ثم بعد الاعلان عن هذه النتائج رسمياً، التشكيك في هذه النتائج، لكنه سرعان ما اعترف علنا بالهزيمة مهنئاً منافسه، وظهر المرزوقي كرجل ديمقراطي أقر واعترف بهزيمته بنتائج الانتخابات، لكن واقع الأمر على خلاف ذلك، فقد سادت اعمال عنف شهدتها محافظة "قابس" في الجنوب التونسي، وهي التي صوت الناخبون فيها بنسبة ٩٠ بالمئة لصالح المرزوقي، مظاهرات اعلنت رفضها لنتائج الانتخابات، مهددة بمزيد من الفوضى، الى درجة ان بعض المحللين السياسيين، اشار الى ان عملية تسلم السلطة من الرئيس الانتقالي الى الرئيس المنتخب قد تواجه بعض النكسات، علماً ان الخطاب الانتخابي لحملة المرزوقي حاولت زرع الفتنة بين شمال تونس (الساحل) والجنوب التونسي، في محاولة منه لاستنهاض القوى الدينية واصحاب المصالح الفئوية لصالح التصويت له، بعد ما ضمن تصويت ناخبي حزب النهضة لصالحه، كشكل من اشكال الولاء والوفاء بعدما حكم تونس تحت راية وفكر حركة النهضة.
ورغم ان الحملة الانتخابية للمرزوقي رفعت شعار "ننتصر او ننتصر" اي ان الانتصار هو الخيار الوحيد، وان ليس هناك من مجال للقبول بالهزيمة، فإن المرزوقي وانصاره يقدمونه باعتباره "حقوقيا ديمقراطيا"، في مواجهة مع منافسه الذي عمل كسياسي كبير في الحكومات المتعاقبة وكرئيس للبرلمان التونسي، رغم ذلك فإن البعض يتجاهل ان عمل المرزوقي تحت يافطة حركة النهضة، يتناقض مع الافكار الديمقراطية والحقوقية التي كان من المفترض ان يلتزم بها، بل ان التزامه بفكر حركة النهضة يجعله "ماضويا" سلفيا من حيث العمل السياسي، في وقت كان السبسي، رغم تاريخه السياسي اكثر اقترابا من حقائق الثورة وتداعياتها والدليل هو فوز نداء تونس في البرلمان والرئاسة!!
ووفقا للدستور التونسي الجديد الذي اقر في استفتاء شعبي في كانون الثاني / يناير هذا العام، فإن صلاحيات الرئيس قد تقلصت لصالح رئيس الحكومة [ما يشبه ما حدث لدى الدستور المصري الجديد ايضاً] ففي ظل نظام رئاسي برلماني مختلط، يملك الرئيس فيه صلاحيات محددة في مجالات الدفاع والامن القومي والسياسة الخارجية، والحق في حل البرلمان، في وقت يملك رئيس الحكومة كافة السلطات التنفيذية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ولأن الرئيس المنتخب اعلن فور الاعلان عن فوزه، بأنه رئيس لكل التونسيين، فمن المتوقع ان يعمد الرئيس الى تكليف رئيس للحكومة من خارج حركة "نداء تونس" كدليل على المشاركة السياسية رغم فوز حزبه في البرلمان والرئاسة، وعلى الاغلب فإن السبسي لن يدفع بان تتشكل الحكومة بغالبيتها من حركة "نداء تونس" لنفس السبب والمنهج، غير ان ذلك سيكون على حساب كبار الساسة والمتطلعين الى الوزارة من اعضاء وقيادات "نداء تونس" وستظهر قدرة الرئيس، باعتباره رئيسا لحركة نداء تونس، على قيادة الدفة بحساسية بالغة، مستلهما خبرته الطويلة في مجال العمل السياسي، خاصة وان الجمهورية الثانية ورثت العديد من التحديات التي ينبغي تجاوزها، في طليعتها الأمن ثم الاقتصاد، وعودة تونس لتلعب دورها في مجال السياسة الخارجية بابعادها العربية والاقليمية والدولية.
وقد يتمكن السبسي من اشاعة اجواء الاستقرار في البلاد من خلال برامجه السياسية والاقتصادية، الا ان اشكالية الامن ستظل عالقة، بالنظر الى التهديدات الخارجية، خاصة سيطرة القوى الظلامية في الجوار، في ليبيا، وهو الامر الذي سيشكل التهديد الاكبر للديمقراطية العربية الوليدة بشكل عام والى الاستقرار في تونس كما في جمهورية مصر العربية. تونس استعادت ثورتها، وهو مجال للثقة بحركة الجماهير من جديد، التي قد تخدع مرة، لكن لن تخدع طوال الوقت!!
hanihabib272@hotmail.com

26

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد