معالجة قضايا المصالحة الفلسطينية والتهدئة ووضع قطاع غزة تعد أمراً مهما لأنها تشكل فى مجملها أحد جوانب الحالة الفلسطينية العامة , ولكن من المفترض ألا تنسينا هذه القضايا ماهو أهم وأخطر وأعنى بذلك القضية الفلسطينية ومستقبلها وكيف يمكن أن نحدد طريقنا نحو إقامة الدولة المستقلة وهو الهدف الذى يجب ألا يغيب عن أذهاننا كعرب وفلسطينيين ومن ثم يجب ألا نقع فى براثن تحركات خارجية متعمدة تدفعنا للتركيز على قضايا أخرى من أجل أن نهمل قضيتنا الرئيسية.
بداية من الضرورى أن أقفز إلى نتيجة دون مقدمات خلافاً للمنهج العلمى وهى أنه لا توجد قوة على وجه الأرض يمكن أن تنجح فى تصفية القضية الفلسطينية مهما تكن أدوات الضغط التى تمتلكها فالشعب الفلسطينى صامد على أرضه والاحتلال الإسرائيلى سوف يزول مهما يطل أمده والمجتمع الدولى رغم تقصيره إلا أنه يعترف بفلسطين بأشكال متعددة والسلطة الفلسطينية تتحرك فى العالم وتحقق نجاحات أقل ما توصف أنها تؤكد قضية الوجود والحق الفلسطينى.
إذن ليس هناك ما يمكن أن يخيفنا سواء كانت ضغوطا تأتى من أطراف مختلفة أو طرحا منتظرا لما يسمى صفقة القرن وكل ما علينا أن نتحلى بسياسة النفس الطويل والتحرك الواعى والتوحد قدر المستطاع، ولعلى هنا أقف عند طبيعة الضغوط العنيفة والمتتالية التى تمارسها الإدارة الأمريكية على السلطة الفلسطينية والتى تخطت حدود التحيز السافر لإسرائيل فى قضايا شديدة الحساسية مثل القدس إلى الضغط المباشر على السلطة من خلال تقليص حجم المعونات والمنح المقدمة إليها ووقف الدعم المادى الأمريكى لوكالة الأونروا وأخيراً إغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، ولاشك أن هذه الإجراءات تهدف إلى التأثير على قضايا الحل النهائى، وكذا دفع القيادة الفلسطينية لإعادة التفكير فى تغيير سياستها الحالية تجاه واشنطن.
وارتباطا بالتطورات الأخيرة فقد وجه الرئيس ترامب فى السادس من سبتمبر الحالى رسالة لرؤساء المنظمات اليهودية أشار خلالها إلى أن الهدف من قطع المساعدات والأموال عن الفلسطينيين هو القبول بالصفقة الأمريكية ودفعهم للعودة للمفاوضات بوساطة أمريكية وهو نفس منطق إغلاق مكتب المنظمة، وبالرغم من أن هذه الرسالة قد جاءت فى إطار تحذيرى غير مقبول فإن الأمر يتطلب أن يكون رد السلطة مختلفاً رغم أن الرسالة ليست موجهة إليها مباشرة، وفى رأيى تظل المفاوضات السياسية هى الوسيلة الرئيسية للحصول على الحقوق الفلسطينية رغم كل ما يقال عن عدم جدواها ولكننا أصبحنا الآن أمام خيارين الأول أن نستمر فى الانكفاء على معالجة مشكلاتنا الداخلية متجاهلين قضيتنا المحورية ومستسلمين للمواقف الأمريكية والإسرائيلية ونظل أسرى لها والثانى أن نمتلك زمام المبادرة السياسية ونخترق حواجز جامدة محاولين تخطيها مهما تكن النتائج ومن المؤكد أننى أؤيد الخيار الأصعب وهو الخيار الثانى .
ونأتى إلى السؤال الأهم وهو كيف نتعامل مع مسألة استئناف المفاوضات رغم كل العقبات التى أوجدتها السياسات الأمريكية والإسرائيلية المتعنتة وهنا أشير إلى المحددات الثلاثة التالية:
المحدد الأول أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حققت خلال فترات سابقة تقدماً كبيراً فى معالجة العديد من القضايا ومن بينها تفاهمات أولمرت 2007 ومفاوضات طابا 2001 وبالرغم من أنها لم تنجح فى تحقيق متغيرات على الأرض فإنها نجحت فى إحداث تغييرات موثقة فى الأوراق الموجودة لدى تل أبيب وواشنطن والتى قد تظهر يوماً ما .
المحدد الثانى أن الهدف الذى تسعى إليه إسرائيل هو ألا تستأنف المفاوضات لأنها تعلم أن القوة التى ستتولد عن نتائجها إذا أحسنا إدارتها ستكون بمنزلة أداة ضاغطة عليها .
المحدد الثالث أن المفاوضات متوقفة منذ مايزيد على أربع سنوات نجحت إسرائيل خلالها فى فرض مزيد من الأمر الواقع على الأرض ولا سيما فى القدس، بينما حققنا نحن مكاسب معنوية رغم تقديرى لها ثم غرقنا فى مشكلاتنا الداخلية .
وبالتالى يجب أن يكون تفكيرنا منصبا على كيفية استئناف المفاوضات بصفة عامة متجاهلين الرد المباشر على الرسالة الأمريكية لاسيما وأن الرئيس أبو مازن والزعامات العربية سيتوجهون إلى نيويورك خلال أيام لحضور الدورة 73 للأمم المتحدة وهى فى رأيى أكبر فرصة لإعادة إعلان موقفنا الجماعى القاطع من عملية السلام المتمثل فى مفاوضات تؤدى إلى حل الدولتين بمعنى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل، ومن ثم أقترح أن يتحرك الجانبان الفلسطينى والعربى فى الإطار الثلاثى العملى التالى:
الأول القبول باستئناف المفاوضات بما لا يتجاوز نهاية العام الحالى مع التأكيد للجانب الأمريكى وللمجتمع الدولى أن هذا القرار تم التوافق عليه فلسطينياً وعربياً رغبة فى استقرار منطقة الشرق الأوسط وتوفير الأمن لجميع الأطراف.
الثانى عدم الممانعة أن تكون عملية انطلاق المفاوضات من خلال محفل دولى (شرفى) فى واشنطن أو شرم الشيخ يتفق على أطرافه مهمته فقط الإعلان عن إطلاق عملية السلام ثم بدء مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مباشرة وتكون مرجعية المفاوضات باتفاق الطرفين سواء مرجعية أمريكية أو مشتركة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى.
الثالث وهو حجر الأساس الذى يمكن التنازل عنه، وذلك بأن يقبل الطرفان الإسرائيلى والفلسطينى مسبقاً مبدأ طرح قضايا الوضع النهائى كلها على مائدة التفاوض دون استثناء من بينها بالطبع القدس واللاجئون والأمن والحدود والأرض والتعهد بتقديم المرونة اللازمة لإنجاح المفاوضات مع التأكيد الواضح على أن إسقاط أى من هذه القضايا يعنى عدم وجود أى مبرر للتفاوض من أساسه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية