يبدو أن ذاكرتنا ضعيفة ونتناسى أشياء كثيرة، وفجأة نتذكر أنه كان لدينا مطار، ومشروع إنشاء ميناء. والسؤال: من الذي دمر المطار؟ ومشروع إنشاء الميناء، وكل مؤسسات السلطة وبنيتها التحتية، أليست هي إسرائيل في ذروة انتفاضة الاقصى وعسكرتها، ومن الذي دعا إليها؟ اليس هو الشهيد الراحل ابو عمار؟ بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، وفاشية إسرائيل وردها العنيق بارتكابها جرائم. وماذا كانت النتيجة؟
يسود الساحة الفلسطينية سجال وجدل واتهامات وشتائم، وانخرط كثيرون في تحريم وتجريم كل من يتعاطى مع حوارات التهدئة في القاهرة، وأنها خيانة للشعب الفلسطيني وقضيته وهي قاعدة لتمرير صفقة القرن وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية.
بعض من الحكمة والتروي، فحالنا لا يحتمل كل ما يجري وما يحاك له من مؤامرات، تنفذ بقصد وبدون قصد.
ما يجري في القاهرة، هي تفاهمات قائمة بالأساس منذ نهاية عدوان 2014، ووفقا للمعلومات هي ليست اتفاق تهدئة طويل الأمد. تهدئة بحاجة الناس اليها في قطاع غزة ، من أجل ترميم أرواحهم والعودة لبعض من حياة شبه طبيعية وفسحة من أمل وحلم بالهدوء والاستقرار المؤقت.
معاناة الناس اليومية وخوفهم من الحرب والدمار، وحلم رفع الحصار أو تخفيفه وغياب موازين القوى للضغط على دولة الاحتلال وعنجهيتها، والاستفراد بالجميع. نعيش ونرى ونشاهد الذل والحط من كرامة الناس على المعابر، ويناموا في الطرقات ويقضوا أياماً في الشمس الحارقة.
وفي زحمة كل ذلك، لا يزال السجال والاتهامات دائرة، منذ الخطاب الشهير للرئيس محمود عباس في مؤتمر سفراء السلطة الفلسطينية في البحرين، الذي قال فيه ستتخذ خلال الايام القليلة القادمة خطوات غير مسبوقة ضد حالة الانقسام في قطاع غزة، وما تلاه من فرض عقوبات على قطاع غزة عقدت احوال الناس المعقدة أصلاً، وتدهورت احوالهم الاقتصادية.
الاخبار من القاهرة تقول أن غالبية الفصائل الفلسطينية الموجودة في القاهرة وافقت على التهدئة، باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تمسكت بـ “أولوية المصالحة الوطنية”. بينما السلطة الفلسطينية تقول ان التهدئة مسؤولية منظمة التحرير، ويصر الرئيس عباس على ان يتم انجاز اتفاق التهدئة جنباً إلى جنب مع المصالحة الفلسطينية .
الرئيس عباس يتشدد في ما يتعلق بالمصالحة وبشروطه المتمثلة في تسليم حماس قطاع غزة كاملاً ودفعة واحدة للسلطة “من الباب إلى المحراب وفوق الأرض وتحتها”، كما يشترط أن يوقع على اتفاق التهدئة وفد يمثل منظمة التحرير برئاسة عضو لجنتها التنفيذية، عزام الأحمد، على غرار توقيع اتفاق التهدئة عام 2014. وترفض حماس رئاسة الأحمد للوفد، كما ترفض تسليم القطاع تحت الأرض.
نعم المصالحة أولوية. لكن كيف ستطبق بهذه الشروط؟ وإسرائيل بجبروتها لم تستطع تنفيذه، وقالت انه غير قابل للتطبيق. أذاً ما هو الحل؟ هل يموت الناس من القهر والفقر الجوع، والمرضى يموتوا من عدم تلقي العلاج ومنوعين من السفر.
حتى الان لم نشهد أي رؤية فلسطينية واضحة ومحددة المعالم، غزة مشغولة بمسيرات العودة ورفع الحصار، ولم يقدم الرئيس عباس أي رؤية أو استراتيجية وطنية لمواجهة صفقة القرن، التي بدأ ترامب بتنفيذ بعض من بنودها، بالاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل الولايات المتحدة سفارتها الى القدس، وتشديد الخناق على أونروا ومحاولة تصفيتها بوقف حصتها في موازنتها.
ولم تترجم أي رؤية فلسطينية لمقاومة الاحتلال وفقط نسمع شعارات، مثل يجب ان تبقى المقاومة الشعبية ملتهبة. ولم يتم تقديم أي رؤية واتخاذ موقف حقيقي لمواجهة قانون القومية للدولة اليهودية الذي قضى فعليا على حل الدولتين، وضم الضفة الغربية وتهويدها، والخطر الكبير على تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره.
نكرر تجاربنا من دون الاستفادة منها. ولأجل منع غزة أن تكون قاعدة، لتمرير صفقة القرن. يجب ترجمة المصالحة والخروج من حال الانقسام واتمام المصالحة، وجعل صفقة القرن، صفعة للقرن على وجوه كل من يحاولوا تمريرها، وذلك بناء على استراتيجية وطنية قائمة على الشراكة السياسية والتوافق الوطني وليس الهيمنة والاقصاء، وتحسين شروط حياة الناس في غزة وتعزيز صمودهم وعدم تركهم معلقين ينتظرون الفرج.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية