" الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم"!،بقلم: حنين العثماني

حنين العثماني

تمثل الأسرة النواة الأولى لاحتضان الطفل وتمهيده للمسيرة التعليمية بحياته، حيث تسعى لغرس المفاهيم والقيم التربوية قبل بلوغه السن المناسب للاندماج بالمؤسسات التعليمية. فيبدأ الطفل في مراحل حياته الأولى بتعلم اللغة ومحاكاة أفعال وسلوكيات أفراد أسرته تحديداً، ويقوم الوالدين بتعليمه بعضاً منها. هذه المرحلة من شأنها رسم الخطوط الأولى للتعلم لدى الطفل، والتي تتسع لترسم شخصيته الكاملة بدخوله للمدرسة.

ولكن إتباع النهج التقليدي أو ما يسمى بالتعليم البنكي والذي يتصف به تعليمنا القائم حالياً جعل الطالب كآلة تستعد للتشغيل وقت الاختبار والإيقاف بعده، ومن ثم نسيان محتوى المادة التعليمية ككل، مما أثر على الأسرة بطريقة تعاملها مع المواد الدراسية فأصبح دورها مقتصراً لتجهيز الطالب لتقديم الاختبار فقط.

وللتخلص من سلبيات التعليم البنكي والانتقال إلى تعليم يطبق منهج تعلمي حقيقي ينشئ فردا يعتمد على ذاته في التفكير والبحث وتكوين المعلومة ونقدها, نجد التعليم التحرري مدخلاً ملائما لتحسين وزيادة ايجابية التعليم لدينا. ويقصد بالتعليم التحرري كما يعرفه البعض ممن طبقوا هذا النهج بأنه تعليم تشاركي يعتمد على مشاركة المعلم والطالب للوصول للمعلومة دون استثناء أحدهم، مع الاعتماد على الأسرة في تعزيز سبل التعليم التحرري، عن طريق إضفاء عناصر جديدة للتعامل داخل البيت بعد انتهاء الدوام المدرسي.

واقتباساً من مقولات جورج سانتايانا الذي قال:" الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم"، نبعت أهمية دور الأسرة الغير تقليدي بممارسة أساليب التعليم التحرري في المنزل، كمشاركة الأطفال في التجارب العلمية والرياضية، وتطبيقها عملياً بأدوات بسيطة ومتوافرة في المنزل, وحوار الأبناء وتوجيههم باتجاه بناء شخصياتهم وعقولهم ومهاراتهم الشخصية, ومقاربتهم للمفاهيم الأولى في التعلم كمعرفة أسباب الكتابة ولماذا اخترعت الأحرف، وكيف كتبت بطريقتها الأولى، فذلك سيحول عقل الطفل من متلقي لباحث ويصبح فرداً ذو قيمة وأهمية في الأسرة والمدرسة والمجتمع ويشعر بذلك ويقدر نفسه ويزداد ثقة ونهما وحبا للتعلم.

ولكن في مجتمعنا, يبقى الحوار وهو العنصر الأهم, شبه مفقوداً بين الآباء والأبناء، على الرغم من أهيمته الكبيرة التي تجعل الطرفين إما أحد الوالدين أو كلاهما يتبادلان الأدوار في حوار أبنائهم، فيتعلم كل منهما من الآخر، ولا يحتكر مصدر المعلومة من قبل أحد. ولكن غالباً ما يكون الأب أو الأم ذوو سلطة على الأبناء ويقوموا بذلك بإلغاء دور الطفل التفاعلي جاعليه مستقبل فقط.

وكما دعا فريدي لمحاربة القهر والتسلط في المدرسة، دعا إلى محاربة ذلك في البيت، عن طريق تنمية روح الاستقلالية، واحترام ما لدى الأبناء من معلومات وثقافة، ومحاولة توجيههم نحو مصادر المعلومات الأكثر دقة، واحترام وعيهم، وتشجيعهم على المطالعة الحرة، ورفض المناهج التلقينية التي ترهق العقل، وتؤدي إلى تبلده.

فعن الهدف الأساسي من جعل الأسرة المكون الرئيسي للتعليم التحرري، هو بناء شخصية إنسان عالم أو أديب، فعوضاً عن حفظ المعلومة في معادلات الرياضيات، يدعوه التحرر في التعليم إلى اشتقاق معادلة أخرى وفكها، وتذوق الجمال في القصائد، وإيمانه باكتمال الحقائق وترابطها.

وهناك أمثلة لتبني فكرة التعليم التحرري في فلسطين بشكل خاص، ففي مدرسة "مسار" في الناصرة عرض إبراهيم أبو الهيجا أحد مؤسسي المدرسة عرضاً موجزاً عن تجربتهم المميزة والفريدة في التعليم التحرري، وعن كيفية تغلبهم على العراقيل البيروقراطية، وكيفية تعاملهم مع مخاوف الأهالي قائلاً: "هدفنا أن يكون الطالب سعيداً في المدرسة، ودليل نجاحنا أن الطلبة يرغبون البقاء في المدرسة بعد الدوام، ونسبة التسرّب معدومة، ولا يوجد عنف في المدرسة، ونخلق حياة أسرية طبيعية، وجميع الطلبة تفوقوا في الجامعات التي ذهبوا إليها،وعدد الطلاب في الصف 25 فقط، ولدينا معلمتان لكل صف" ويقول أيضا" نقوم بتحضير الطعام مع الأولاد، ونزرع معهم، ونربّي الحيوانات،ولا نستعمل كلمة تدريب وفق سياسة "أنا أعرف والطالب لا يعرف"، بل نساعده على أن يبني نفسيته، ويحررها من القيود، ويصبح مستعداً وراغباً في التعلم" وفي إدراكهم لأهمية اكتشاف وتعزيز وتطوير الإبداع والابتكار لدى الطلبة وبناء الجوانب الفنية لديهم فقد أدخلوا ما تهمله المدارس الأخرى من فنون ودراما ورقص وموسيقى وألعاب ورياضة ومسرح. وساهموا بإعطاء مساحة للمعلم بأن يقرر مع طلابه الدروس التي يدرسونها وطرائق التدريس كذلك.

ووفق ما سبق, فإن تطبيق مبادئ وأسس التعليم التحرري في الأسرة متكاملةً مع المدرسة، ينتج جيل متعلم وباحث يستطيع إيجاد المعلومة وتحليلها ليس فقط حفظها وتناقلها، دون معرفة ماهيتها، لذا كان لزاماً على التعليم في فلسطين تسليط الضوء على التعليم التحرري الذي هو بأمس الحاجة لذلك.

 

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد