أم سارة المقيمة في دولة الإمارات أخبرتني: أن إبنتها سارة البالغة من العمر  6 سنوات ونصف، ظلت خلال الـ 4 أيام سفرهما من القاهرة الى غزة تبكى، وتطلب العودة الى الإمارات، وحين وصلت الى غزة نسيت كل التعب. وقالت: الكارثة حين جاء موعد عودتنا للإمارات ووصلنا معبر رفح دخلت سارة فى حالة هستيريا، وتصرخ وتقول: رجعيني من طريق تانية، لم تهدأ. حتى كذبت عليها بأننا سنعود عن طريق رفح، وليس مصر.


أم سارة حضرت إلى غزة بعد سبع سنوات من مغادرتها لزيارة والدها المريض بالسرطان، وهو في أيامه الأخيرة، بعد أن إستشرس به المرض. وقالت: لو ما شفت والدي كنت سأندم عمري كله، وسارة ما شافت جدها من يوم ولادتها. 


تضيف أم سارة، الرجوع للقاهرة أسهل. ومع ذلك نمنا ليلة فى صالة المعبر المصرية، وفي صباح اليوم التالي، انتظرنا 7 ساعات على بوابة المعبر المصري، قبل ان يسمحوا لنا بالمغادرة للقاهرة، وكان وقت إدخال شاحنات الحيوانات والابقار للمعبر، ولك أن تتخيل الانتظار مع رائحة الأبقار ومخلفاتها. 


السؤال للدولة المصرية: ما هو شعوركم والذكريات المؤلمة التي سيحملها أطفال غزة العالقون في طريق عودتهم من القاهرة إلى غزة؟ وانتظارهم أيام على المعدية لعبور قناة السويس. والنوم في الطريق وتحت الأشجار، وعلى مقربة من حواجز الجيش المصري. بالتأكيد سيحملون معهم ذكريات حزينة وسيئة وستظل لسنوات طويلة محفورة في الذاكرة، وشعور بالظلم والمعاناة والوجع والألم وإهانة الكرامة. عن دولة يتغنى أهلهم بتاريخهم المشترك وبطولات الجيش المصري وسقوط الشهداء في الدفاع عن فلسطين، وحرب مصر ضد إسرائيل وعبور قناة السويس وتحرير سيناء. واحتضانها لغزة، وارتبطوا بها ويحبوها، ولهم معها تاريخ طويل وعروبة ودم ومصير مشترك. 


لي اصدقاء استغرق سفرهم، في طريق عودتهم من القاهرة إلى غزة ستة أيام بالتمام والكمال، تحركوا من القاهرة مساء السبت، انتظروا على المعدية ثلاثة أيام للوصول إلى العريش. ويومين من العريش حتى معبر رفح. ووصلوا غزة فجر اليوم الخميس، وغيرهم لا يزالوا ينتظرون. وفي اتصال مع صديق مساء أمس الاربعاء، وبات الليلة على المعدية، وربما يحالفه الحظ ويصل غزة فجر الجمعة. وأخبرني أن من بين المسافرين العائدين الى ارض الوطن، مرضى سرطان، وجرحى في مسيرات العودة، وكبار في السن ينتظرون على  الطريق، صار لهم أيام، وناس خلصت فلوسها وحالهم مبكي وموجع. 


في حملة إعلامية إسرائيلية، ضخت غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبار متلاحقة، حول التوصل لإتفاق وقف اطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة في قطاع غزة. واكدت أنه دخل حيز التنفيذ أمس الأربعاء. وذكرت تلك الوسائل أن مصر والأمم المتحدة، توصلتا مع إسرائيل و حماس لاتفاق تهدئة.


‬في حين كان الفلسطينيون ينشروا أخبار عن استمرار الحوارات بين الفصائل حول التهدئة، والخلافات حول من يتراس الوفد، وظل الناس في إنتظار أي بيان من الفصائل المقاومة، توضح فيه حقيقة ما يدور عن اتفاق التهدئة المزعوم، بدل ترك الناس للشائعات، ونقل الاخبار عن الإعلام الاسرائيلي الموجه، واللعب في مشاعر الناس وعقولهم.


هذا حالنا وخلافاتنا وانقسامنا، ووجع ذوي القربى. الحصار مستمر والتهدئة لم يتم التوصل اليها، وعلى الرغم من إعادة إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم، الحصار والقيود التي تفرضها على غزة ما زالت قائمة. وإسرائيل سمحت بإدخال كميات محدودة من المواد الغذائية والطبية والوقود، ولا تزال تحظر خروج أي سلع. وهذا لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، وثمن ضحايا الحصار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد