تشير حصيلة ما نشر حول اجتماعات الكابينت الإسرائيلي المتعددة حول موضوع حل مشكلة غزة ، وآخرها اجتماع الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو يوم الأحد الماضي والذي استمر خمس ساعات متواصلة، إلى أن حكومة إسرائيل لا تنوي الاستجابة للدعوات والمقترحات المتعلقة بتسوية المأساة الإنسانية في قطاع غزة عن طريق رفع الحصار والسماح بتنفيذ مشاريع ضخمة للبنية التحتية تشمل الطاقة والمياه ونقل البضائع والأفراد عبر ميناء محدد يخدم غزة والسماح للعمال الغزيين بالعمل في إسرائيل. وتربط أي تقدم في مسألة رفع الحصار بحل مشكلة الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة " حماس ". واتضح خلال المداولات الإسرائيلية الداخلية أن نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان من أكبر المعارضين لرفع الحصار، ويبدو أن موقفهما هذا جاء بسبب ضغط عائلات الجنود القتلى والمأسورين في غزة وضغط اليمين المتطرف الذي يدعم هذه العائلات ويحرضها.


وجل ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل في هذه المرحلة هو وقف إطلاق النار، ويشمل هذا وقف مسيرات العودة ووقف إطلاق الطائرات والبالونات الحارقة مقابل رفع حصار جزئي يتمثل بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل مسيرات العودة، مثل فتح معبر كرم أبو سالم وإعادة إدخال المواد التي كانت تدخل إلى القطاع قبلاً، وزيادة مساحة الصيد وكمية الكهرباء الموردة لغزة، وأشياء من هذا القبيل، ولا يقترب من رفع الحصار الذي تطالب به "حماس" وهو العودة لما كانت عليه الأوضاع قبل العام 2007. وحسب صحيفة الحياة اللندنية يوم أمس، فهذا الموقف الإسرائيلي تم رفضه من قبل حركة حماس، ويبدو أنه من الأفضل بقاء الوضع على ما هو عليه من أن تسجل "حماس" على نفسها القبول بصفقة هزيلة تسيء إليها وتضعها في خانة الاتهام بالتواطؤ مع ترتيبات " صفقة القرن " وهو اتهام تم تحذير "حماس" منه، وربما هذا هو السبب الذي دفع الحركة لعقد اجتماع مع كل الفصائل في غزة لتوضيح موقفها بأنها لن تقبل حلولاً منقوصة وأن القرار هو للجميع وليس لـ"حماس" وحدها.


وحسب ما نقل عن مسؤول في "حماس" فهي تراهن على مصر بأن تقوم بفتح معبر رفح بشكل دائم للأفراد والبضائع وتستعيض بذلك غزة جزئياً عن رفع الحصار التام من قبل إسرائيل. ويبدو أن إسرائيل لا تعارض هذا الوضع، ولم تحتج على فتح مصر للمعبر طوال الفترة الماضية بدون تطبيق اتفاقية 2005 الخاصة بمعبر رفح. وإذا كانت "حماس" شعرت بخيبة الأمل من عدم استجابة إسرائيل للمقترحات الأممية التي نقلها مبعوث الأمين العام لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، والمقترحات المصرية التي تشمل موضوع المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخابات، إلا أنها تشعر أنها حققت إنجازا ما، فلأول مرة لا تعترض إسرائيل على تولي "حماس" زمام الأمور في غزة، وهي التي كانت تصر في السابق على عودة السلطة إلى غزة كشرط لرفع الحصار، ويبدو أن هذا المطلب كان من باب التعجيز، حيث لا تريد إسرائيل فعلاً عودة السلطة إلى غزة بل تحرص على بقاء الانقسام الذي يشكل مصلحة سياسية للحكومة الحالية.


ولعل "حماس" تشعر بارتياح من سعي جميع الأطراف وراءها للتوصل إلى تسوية بدون وضع "فيتو" عليها. وهي مسرورة كذلك من المقترحات المصرية وردت بالموافقة السريعة عليها في انتظار موافقة "فتح" أو الرهان على عدم موافقة "فتح" على هذه المقترحات، ما قد يدفع مصر للتسليم للتعامل مع الواقع الغزي بدون انتظار إتمام المصالحة، وفي الواقع هذا ما ترغب فيه إسرائيل التي تريد أن تكون مصر هي التي تشرف على غزة وتتعامل مع "حماس" في كل التفاصيل وتتحمل هي المسؤولية الكاملة عن غزة وتتخلص إسرائيل بذلك من تحمل المسؤولية عن الحصار والظروف اللاإنسانية الظالمة التي يعيش تحت وطأتها المواطنون في غزة، والتي باتت تهدد بانفجار الوضع بعدما وصلت جهود المصالحة وإمكانية رفع الحصار إلى طريق مسدود.


ومع أن "حماس" ربما تعتقد أنها في وضع حصاد سياسي أو اقتصادي وشيك، فالذي لا ينبغي الخطأ فيه هو المراهنة على الموقف الإسرائيلي، ليس فقط ما اكتشفته خلال الأيام الماضية وبدد كل التوقعات والأوهام بتغيير وبالتوصل إلى صفقة مرضية معها، بل سلوكها العام تجاه الشعب الفلسطيني وبالأحرى تجاه السلطة الوطنية، فهي تأخذ كل شيء ولا تدفع بالمقابل، فتحصل على اعتراف وتنسيق وتعاون وهي مستمرة في عملية الاستيطان كأنه لا يوجد اتفاق مع الفلسطينيين أو كأنهم غير موجودين أصلاً. بل هي لا ترى مواطنيها غير اليهود ولا تكترث لحقوقهم بل وتنكرها بصورة كاملة، في الوقت الذي تحارب فيه العالم بأسره بادعاء معاداة السامية لمجرد التعرض لسياسة الاحتلال وتوجيه الانتقاد لها أو المطالبة بمقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها. وهذا ينطبق على الدول الحليفة لإسرائيل كما ينطبق على المقاطعة لها. وتخطئ "حماس" إذا أمنت جانب إسرائيل وراهنت على استفادة إسرائيل من حال الانقسام الفلسطيني. فكل شيء قابل للتغير والتبدل بين ليلة وضحاها، ويكفي حدوث حادثة كبيرة هنا أو هناك لنرى إسرائيل في حرب طاحنة ضد غزة قد تستهدف قيادة "حماس" بالدرجة الأولى. ولا يوجد خلاص حقيقي وحصانة إلا بالوحدة الوطنية وبالحصول على الشرعية في الإطار الوطني الحامي والضامن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد