تطورات المشهد الفلسطيني المتأزم في قطاع غزة وحالة التوتر الدّائم التي يشهدها وارتفاع مؤشرات المواجهة الواسعة بين الفصائل الفلسطينية وإٍسرائيل، وتدهوُر الوضع الإنساني، واحتمالية حدوث انفجارٍ غير محسوب النّتائج، فرضت على الرّاعي المصري للملف الفلسطيني التحرك العاجل والحاسم وعلى مختلف المسارات للحيلولة دون الانزلاق نحو انفجارٍ شامل سيكون له تداعيات خطيرة على مصر بموقعها الجغرافي والسياسي وعلى المنطقة برمتها، التي تشهد توترات عنيفة ولا تحتمل أي انفجار جديد في المنطقة.

في نفس السّياق فإن القيادة المصرية باتت تدرك أن حالة الانقسام والفراغ السّياسي الفلسطيني من شأنها تهيئة الطّريق لتمرير مشروعات سياسيّة بطابعٍ إنساني؛ تهدف لفصل قطاع غزة عن الكيان الفلسطيني، وهذا ما ترفضه مصر، وعبّرت عنه بوضوح لمستشار الرّئيس الأمريكي "كوشنير" خلال زيارته الأخيرة للمنطقة.

وتعمل مصر على صياغة استراتيجية جديدة للتعامل مع الملف الفلسطيني تقوم على تقديم حلول للمسائل الثّلاثة رزمة واحدة ضمن جدول زمني محدد عبر إنجاز ملف المصالحة الدّاخلية الفلسطينية وتوحيد النّظام السّياسي الفلسطيني وعودة السّلطة الشرعية لقطاع غزة، وتثبيت هدنة طويلة الأمد مع إٍسرائيل، ورفع الحصار عن غزة، وهذه الاستراتيجية الجديدة تمنح مصر مساحة أكثر في التأثير والمناورة مع الأطراف ذات العلاقة بما يضمن تحقيق نتائج ملحوظة وسريعة تنهي هذا الفصل المتأزم الذي تعيشه القضية الفلسطينية.

وتتأهب مصر لتنفيذ هذه الخطة من خلال التنسيق مع أطراف عدة من بينها الأمم المتحدة والتي قدم مبعوثها للشرق الأوسط "ميلادينوف" خطة لإنهاء الأزمة في قطاع غزة والتي يبدو أنّ الجانب المصري قد شملها ضمن خطته للتعامل مع غزة، كما أن مصر تسعى في إطار تسويق خطتها إلى ضمان موقف إيجابي للولايات المتحدة، وضمان عدم وجود فيتو أمريكي على المصالحة الفلسطينية ، وقبول حركة حماس ضمن المكون السّياسي الفلسطيني، ولعل زيارة وزير المخابرات المصرية " عباس كامل " للولايات المتحدة هذه الأيام تأتي في هذا السّياق، خاصة وأن مصر كان لها موقف رافض للخطة الأمريكية الرامية لمعالجة الأزمات الإنسانية في قطاع غزة تحت مسمى "غزة أولاً" دون التقدم في مسار المصالحة الفلسطينية وعودة السّلطة الشّرعية إلى قطاع، وتسعى مصر في حواراتها مع الإدارة الأمريكية إلى الموائمة بين الطّرح الأمريكي للحل الانساني وبين الرّؤية المصرية التي ترى في توحيد النّظام السّياسي الفلسطيني مدخلاً جوهرياً في إنهاء معاناة سكان قطاع غزة، وسحب فتيل التوتر مع إٍسرائيل، وتثبيت هدنة طويلة الأمد بين الطّرفين.

وفي ذات السياق فقد حصلت مصر على موافقة السّلطة الفلسطينية على الخطة المقترحة والتي تتقاطع مع رؤية الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحل في قطاع غزة والتي سُلمت للجانب المصري مؤخراً. كما وتلقت ردوداً ايجابية من حركتي فتح وحماس فيما يتلق بملف المصالحة، مع بعض الملاحظات من كلا الجانبين من المتوقع حسمها خلال جلسات حوار قريبة بين الطرفين؛ إذ لم تعد مصر تقبلُ مزيداً من التلكؤ في إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، ولن تسمح بتسجيل أي إخفاق لجهودها في رعاية المصالحة، م من المنتظر أن ينطلق قطار المصالحة خلال أيام، بالتوازي مع الحراك المصري على صعيد التهدئة ورفع الحصار.

وعلى صعيد الموقف لإٍسرائيلي فقد أبدت الأخيرة مرونة في التعامل مع المقترحات المصرية من خلال تنازلها عن بعض الشّروط التي كانت تشكل عائقاً في التوصل لمصالحة فلسطينية، وقبول مشاركة حماس في أي حكومة فلسطينية، ولعل تصريحان رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو حول وجود خطة سياسية شاملة للتعامل مع قطاع غزة ستطرح قريباً تأتي في نفس السّياق الذي تقوده مصر للتعامل أزمة قطاع غزة، ويبدو أن الجانب المصري قدم ضمانات لإٍسرائيل فيما تثبت اتفاق هدنة طويلة الأمد تتوقف بموجبه حركة حماس والفصائل الأخرى عن القيام بأي أعمال عدائية، وكذلك توقفها عن حفر الأنفاق الحدودية، وهذا ما تريده إٍسرائيل في المرحلة الحالية هو تهدئة جبهتها الجنوبية مع قطاع غزة والتفرغ لمتابعة التطورات السّاخنة على صعيد الجبهة الشّمالية مع سوريا وحزب اللّه وكذلك المسألة الإيرانية التي تمثل أولوية لإٍسرائيل في الوقت الرّاهن.

والواضح أن مصر جادة في تنفيذ خطتها، ومصرّة على تحقيق إنجازٍ حقيقي فيما يتعلق بالملف الفلسطيني؛ الذي بات يشكل ضغطاً على صاحب القرار المصري؛ خاصة وأن مصر تريد تأكيد حضورها ودورها المحوري في المنطقة بشكل عام وفي القضية الفلسطينية بشكل خاص، في ظل حالة التصارع والتنافس الإقليمي والأزمات التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد