يبدو أن هناك كثيرين ممن لاتزال لديهم أسئلة متعددة حول طبيعة الاهتمام المصرى بقطاع غزة ولماذا تركز مصر تحركاتها تجاه القطاع وتتابع الأوضاع فيه عن كثب وتتدخل بين الحين والآخر لضبط البوصلة هناك كلما كان الأمر ضرورياً؟, ولذا سوف أحاول فى هذا المقال معالجة هذا الموضوع بتركيز شديد من خلال ثلاثة عناوين رئيسية الأول حول محددات التحرك المصرى والثانى حول محاور هذا التحرك والمحور الثالث حول متطلبات المرحلة المقبلة.

أولاً: محددات التحرك المصرى: المحدد الأول أن قطاع غزة بحدوده البالغة 14 كم مع الحدود المصرية فى الاتجاه الشمالى الشرقى يدخل فيما نسميه بدائرة الأمن القومى المباشر مثله مثل الحدود المصرية مع ليبيا فى الغرب وإسرائيل فى الشرق والسودان فى الجنوب وهى دائرة تتعامل معها مصر بإستراتيجية محددة وجادة لا تهاون فيها. المحدد الثانى أن مصر تتعامل مع القطاع فى إطار تعاملها مع القضية الفلسطينية ككل، فمصر لم ولن تتعامل مع القطاع ككيان منفصل عن كل الجسم الفلسطينى، حيث إن القطاع والضفة الغربية يمثلان معا ـ وليس إحداهماـ الدولة الفلسطينية المستقلة المنتظرة. المحدد الثالث أن مصر لم ولن يكن لها أى أطماع أو مصالح خاصة فى القطاع ولذا فهى تتحرك بكل شفافية وجدية بل إن دورها أصبح مطلوباً ومرغوباً بقوة من جانب كل الأطياف الفلسطينية.

المحدد الرابع أن الامتداد الجغرافى بين سيناء وقطاع غزة يمثل اهتماماً أمنياً خاصاً لمصر، حيث إن استقرار الأوضاع فى غزة يؤثر على استقرار الأوضاع الأمنية فى سيناء والعكس ولنا فى مسألة انتشار الأنفاق وأنشطة الجماعات الإرهابية فى سيناء خير دليل على ذلك.

ثانياً: محاور التحرك المصرى: المحور الأول ويتعلق بالمجال الإنسانى، حيث اتخذت مصر قراراً ب فتح معبر رفح البرى من أجل تسهيل تحركات سكان القطاع إلى العالم الخارجى مع إغلاقه على فترات لاعتبارات أمنية ولوجستية. المحور الثانى ويرتبط بالوضع الإقتصادى حيث تتبنى مصر مبدأ ألا تتدهور الحياة اليومية لسكان القطاع فى ظل طبيعة حصار الجانب الإسرائيلى والإجراءات التى يتخذها ولاسيما إغلاق معبر كرم أبو سالم على فترات ولذا تتدخل مصر من جانبها سواء لإدخال بضائع ومساعدات ضرورية للقطاع أو تضغط على إسرائيل لتخفيف إجراءاتها التعسفية. المحور الثالث ويتعلق بالتدخل العاجل لتحجيم أى إحتمالات لانفجار الوضع العسكرى بين إسرائيل والقطاع، حيث تسارع مصر بالتدخل من أجل التوصل إلى تهدئة بين الجانبين كلما تصاعد التوتر بينهما سواء بالقصف الإسرائيلى للقطاع أو إطلاق صواريخ وغيرها من القطاع فى إتجاه إسرائيل، ومن المؤكد أنه دون الجهود المصرية لم تكن هناك أى فرصة للوصول إلى هذه التهدئات المتكررة والتى كان آخرها منذ أيام قليلة, ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور المصرى فى إقرار التهدئة عقب الحروب الإسرائيلية الثلاث على القطاع أعوام 2009 و2012 و2014. المحور الرابع وهو فتح قنوات اتصال دائمة مع كل الفصائل والتنظيمات الفلسطينية الموجودة فى القطاع دون استثناء من أجل تنفيذ اتفاق المصالحة الذى تم التوصل إليه فى الرابع من مايو عام 2011. المحور الخامس وهو التواصل الدائم مع السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن من أجل تنسيق الخطوات الضرورية فى كل التحركات التى تتم.

ثالثاً: متطلبات المرحلة القادمة: المتطلب الأول يتمثل فى حتمية استمرار الدور المصرى فى غزة دون فترات انقطاع مع شمول هذا التحرك كل المجالات الممكنة من أجل المشاركة الفعالة فى ضبط الأوضاع فى القطاع مع التركيزعلى جوانب ثلاثة وهى ضبط الحدود وتحقيق المصالحة الفلسطينية وعدم تدهور الوضع الاقتصادى. المتطلب الثانى هو التنسيق المصرى مع السلطة الفلسطينية حتى تكون كل التحركات فى إطار متوافق عليه ثنائياً على الأقل فى خطوطه الرئيسية، على أن يتمثل الهدف النهائى فى عودة القطاع إلى الجسم الفلسطينى. المتطلب الثالث أن تكون كل من حركتى حماس وفتح أكثر مرونة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق المصالحة حيث إن كل هذه الجهود ستكون قاصرة ومؤقتة مادام الانقسام اللعين جاثماً بقوة فوق الأرض الفلسطينية. المتطلب الرابع أن تحرص كل من حركتى حماس والجهاد الإسلامى على عدم وصول الوضع العسكرى مع إسرائيل إلى مرحلة التفجر التى لا يمكن العودة عنها حتى لا يتعرض الوضع فى القطاع لمزيد من التدهور مع ضرورة التزام كل الفصائل بـ محددات الرؤية المصرية للتهدئة مادام هناك التزام من الطرف الآخر. المتطلب الخامس: ستظل مصر بثقلها الإقليمى والدولى مؤهلة لأن تتحرك بالتوازى مع كل الجهود الكبيرة التى تقوم بها من أجل إعادة الحياة إلى المسار السياسى لحل القضية الفلسطينية فى إطار مبدأ حل الدولتين حتى لا تفرض علينا أى أطراف أخرى تسويات مؤقتة أو صفقات دائمة تنال من حقوق الشعب الفلسطينى ومن المؤكد أن القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى لن تقبل مطلقاً بأقل مما يمكن أن يقبله الجانب الفلسطينى وهذا أمر مؤكد ونهائى أجزم به تماماً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد