قليلةٌ هي الكتبُ والوثائقُ التي تؤرِّخُ للعلاقة بين اليهود والعرب، فقد عاش اليهودُ في بلاد العرب وامتزجوا في نسيج المجتمعات العربية، وأسهموا في حركة النهضة العربية، وحظَوا بتقديرٍ واحترام، ولا يزال كثيرون ممن سكنوا إسرائيل يحنون إلى بلاد العرب، يفضلونها على إسرائيل!
غير أن كثيرين من المؤرخين اليهود الصهيونيين برعوا في تطويع التاريخ، ومِن ثَمَّ، رسخوه في أذهان أجيالهم، وفق عقيدتهم، كانتْ غاية كثيرين منهم إلصاق العنصرية بالعرب، وأن العربَ لا يختلفون عن النازيين في معاملتهم لليهود، فضخَّموا أعداد اليهود الذين تركوا بلاد العرب، وسكنوا إسرائيل، قدروا عدد اليهود بثمانمائة وخمسين ألف مهاجر من البلاد العربية، لغرض مقايضتَهم بالمهجَّرين الفلسطينيين عام 1948 !
ولكي يُكملوا الخطة التقطوا حادثة (الفرهود في العراق) التي وقعت في الحرب العالمية الثانية يوم الأول والثاني من شهر حزيران1941، وانبرى مؤرخوهم في اعتبار هذه الحادثة دليلا على نازية العرب، وعنصريتهم. الفرهود، كلمة فارسية تعني الرجل القوي العنيف، تقترب من كلمة (بلطجي) العامية، أي حامل البلطة !!
كتب إدوين بلاك، Edwin Black مقالا في صحيفة نيويروك تايمز 5-6-2018، وهو مؤلف كتاب (الحلف العربي النازي)، اعتبر، إدوين بلاك، حادثة الفرهود التي أعقبت حكومة رشيد عالي الكيلاني دليلا على (نازية العرب) لذلك ابتدع ذكرى سنوية عام 2015م للاحتفال بذكرى (مجزرة) الفرهود.
اختصَّ البرفسور اليهودي العراقي، شموئيل مورييه، أو، باسمه العربي، سامي معلم، أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية، المتوفى عام 2017، اختص في توثيق حادثة (الفرهود) قال: "كان الفرهوديون يرددون "يا ريت الفرهود كل يوم يعود" قتل الفرهوديون العراقيون في بغداد وجرحوا يومي الأول والثاني من شهر حزيران، 1941 آلافاً من جيرانهم اليهود، بينما كانوا يحتفلون بعيد شفعوت! كانتْ مجزرة الفرهود بداية لترحيل 850,000 يهودي من البلاد العربية، كان اليهود العراقيون مواطنين عراقيين أصليين تعود جذورهم إلى 2700 عام".
ينسب أدوين بلاك أسباب (الفرهود) إلى تحريض الحاج أمين الحسيني للنازيين بضرورة طرد اليهود، وترحيلهم، ليس إلى فلسطين، بل إلى بولندا، فهو رأس الرمح للتحريض.
لم يكترث معظمُ مؤرخي العرب بتلك الروايات، ولم يفلحوا في وضع الحقائق التاريخية على مائدة العالم، ولم يُبرزوا كيف حمى بعض المخلصين العرب جيرانهم اليهود من القتل في حادثة الفرهود نفسها، هذا ما أكَّده الشاعر اليهودي، عزرا مراد وغيره:
إليكم مقتطفاتٍ مما جاء في كتاب، (محمد واليهود) للدكتور بركات أحمد:
"أشار المؤرخ محمد بن اسحق، المولود في المدينة المنورة 704م إلى أن الخليفة العباسي، الأمين خصَّصَ لرئيس الجالية اليهودية في مدينة بابل العراقية، الذي كان يُسمى (غاؤون) خادما مسلما مهمتُه إن يسير أمام عربة الغاؤون، يفسح له الطريق، قائلا: "أفسحوا الطريق لابن النبي داود. كذلك، عُقدتْ محكمةٌ تتكون من قاضٍ مسلم، وآخر يهودي لمحاكمة أحد المشعوذين المهرطقين، وهو ابن سيرين!!"
لم يُفلح كثيرٌ من المؤرخين العرب في إبراز الوجه الحقيقي لتسامح العرب مع كل الديانات والأعراق، والذي ما يزال واضحا في معاملة يهود المغرب، وتونس، ومعظم بلاد العرب.
قصَّر المؤرخون العرب كذلك في إبراز أثر الثقافة العربية الحُرَّة في إبراز العلماء اليهود الذين أثروا الثقافة العربية، واعتزوا بلغتهم العربية، وألفوا بها، ولم يكتبوا باللغة العبرية، مثل الفيلسوف اليهودي العربي، موسى بن ميمون، مؤلف كتاب، دلالة الحائرين، فقد أسماه المثقفون العرب، الفيلسوف المسلم، وغيره كثيرون!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية