أن يقطع عضو "تنفيذية م ت ف" و"مركزية فتح" عزام الأحمد زيارته لبيروت لعدة ساعات يلتقي خلالها رئيس المخابرات المصرية الوزير عباس كامل ، يعني بأن لدى القاهرة عقب لقاء مسؤول ملف المصالحة الفلسطينية في مخابراتها اللواء أحمد عبد الخالق وفد " حماس " أخباراً هامة، قد تحمل البشرى التي طال انتظارها أخيراً.


منذ أربعة أشهر، كانت حركة سير تنفيذ تفاهمات القاهرة لإنهاء ملف الانقسام قد توقفت، حيث منحت واقعة تفجير موكب رئيس الحكومة ورئيس المخابرات الفلسطينية القيادة الفلسطينية ورقة ضغط هائلة على حماس، خاصة حين جاء رد "حماس" باهتاً وغير مقنع، حين شكلت لجنة تحقيق انتهت بمقتل من قالت إنه مدبر عملية التفجير، لتتخذ القيادة جملة إجراءات حاسمة، كان منها عقد المجلس الوطني دون "حماس" ومن ثم زيادة الضغط عليها فيما يخص خدمات غزة ، حينها هربت "حماس" إلى مسيرة العودة لتلاعب إسرائيل.


ولأن "حماس" تعرف حدودها جيدا مع إسرائيل، فهي لا تمس حياة مستوطنيها، لا بالصواريخ ولا بغيرها حيث تعرف بأن رد إسرائيل سيكون بالاغتيالات، وبعد أن لوحت باقتحام الحدود، من خلال إقدام ناشطي المسيرة على قطع الأسلاك الحدودية الشائكة، بعثت لها إسرائيل برسالة قاسية، كانت واضحة في منتصف أيار من خلال تعمد قتل نحو خمسين مواطنا وجرح ألفين آخرين.


لم يبق من مسيرة العودة بعد نحو أربعة أشهر من انطلاقتها سوى الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، حيث ترى "حماس" بأن ذلك يزعج مستوطني الغلاف فقط ولا يمس حياتهم من خلال حرق محصول القمح، وهذه خسائر مالية محدودة فقط، كما أنها مؤقتة، أي أنها مرتبطة بفصل الصيف فقط، الذي إذا ما انتهى فإن تلك الظاهرة تتوقف من تلقاء نفسها، لكن إسرائيل لا يبدو أنها تظهر تساهلاً في هذا الأمر أيضا، فهي أقدمت على تسخين المواجهة مع "حماس" حين أقدمت على قصف مواقع القسام، واغتيال عناصر مقاومة ميدانية.


لم ينجم عن شد وعض أصابع مثلث الأضلاع بين "حماس" والسلطة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، سوى الانفراجة التي حدثت في معبر رفح ، كما أشرنا في مقالنا السابق هنا، لكن وبعد تحرك واشنطن باتجاه محاولة الإعلان عن صفقة العصر، التي ترى فيها القاهرة وعمان، وليس فقط رام الله ، حدثاً مجلجلاً من شأنه أن يقلب المنطقة، تحركت القاهرة من أجل متابعة ملف إنهاء الانقسام لتضع العصي في دواليب صفقة العصر أو تجبر واشنطن على تعديلها .


ولأن الكرة كما أسلفنا في ملعب "حماس" منذ منتصف آذار الماضي، فإن الحوار انحصر بين المخابرات المصرية ووفد "حماس" إلى القاهرة، لذا فإن القاهرة باستدعائها عزام الأحمد، كانت تقوم بإخباره بفحوى ما اتفقت حوله مع "حماس" ليقف عند حدود الرد الذي تنتظره السلطة من "حماس" منذ آذار الماضي.


السؤال هنا، هل هناك شيء جديد، والجواب بالتأكيد نعم، وإلا فإن القاهرة لن تضيع وقتها، كما أنها لا يمكن لها أن تواصل المحاولة لولا أنها تدرك بأنها ستنجح في مسعاها في نهاية المطاف، خاصة وأن القاهرة تعرف أولا بأن الملف الداخلي الفلسطيني، خاصة بانعكاساته في قطاع غزة، يؤثر مباشرة على ملف أمنها الداخلي، هذا من جهة ومن جهة أخرى، كان وما يزال الملف الفلسطيني، إن كان بمستواه الداخلي، أو فيما يتعلق بالعلاقة الفلسطينية_بغض النظر إن كان طرفها حماس أو السلطة_مع إسرائيل، يشكل مدخلاً للدور الإقليمي للدولة الإقليمية الأهم في العالم العربي.


الأخبار تشير إلى أن وفد "حماس" توصل إلى تفاهمات مع الجانب المصري فيما يخص الموظفين وسلاح الفصائل وتمكين الحكومة، وأن مصر بذلك قد توصلت إلى اتفاق جديد مع "حماس" من خلال تقديمها جملة من الحلول لتلك الملفات التي وقفت حائلا في السابق أمام إنهاء الانقسام.


في التفاصيل تشير المعلومات إلى أن "حماس" وافقت على اعتماد نحو عشرين ألفاً من موظفيها البالغ عددهم اثنين وأربعين ألفاً، ليتقاضوا مرتباتهم من السلطة، فيما سيتم دمج الآخرين والبالغ عددهم اثنين وعشرين ألفاً لاحقاً في حال توفر التمويل لرواتبهم من الدول العربية والأجنبية.


كذلك وافقت الحركة على الفصل بين ذراعها العسكري، وموظفي المؤسسة الأمنية والعسكرية والشرطية، على أن يتم تنظيم سلاح الأذرع العسكرية.


الأهم برأينا هو أنه لتجاوز عقدة مصطلح التمكين سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث أنه بعد انقطاع الاتصالات بين السلطة وكل من إسرائيل وأميركا لم تعد السلطة تحرص على أن تكون الحكومة من خلال تقديمها كحكومة تكنوقراط مقبولة على الطرف الآخر، وبحكومة الوحدة تدعم كل الفصائل بما فيها "فتح" مثل تلك الحكومة.


وللتسهيل على الأمر الذي لن يكون سهلاً كما قد يعتقد البعض، قدمت مصر مجموعة إغراءات تتمثل في تولي حكومة الوحدة، فوراً مهمة إنشاء ميناء غزة وخان يونس، ربما لقطع الطريق على صفقة القرن ، لاستقبال البضائع من ميناء العريش، وإقامة منطقة تبادل تجاري بين مصر وفلسطين/حكومة الوحدة، واستمرار فتح معبر رفح، كذلك إعادة بناء وتأهيل مطار غزة، وبالطبع وقف كل إجراءات قطع الرواتب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد