ليس بالضرورة أن ينتهي التصعيد بين أميركا وإيران، والذي أخذ منحى متصاعداً منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل وقت انسحاب بلاده من الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، إلى المواجهة العسكرية المحتومة، لكن تلك المواجهة تظل أمراً محتملاً، وإن كان ذلك سيظل مرهوناً بالتطورات اللاحقة، إن كان بين البلدين، أو بينهما وبين دول أخرى، خاصة تلك التي وقّعت الاتفاق المذكور وتعتبرها طهران شركاء فيه وترهن مستقبل الاتفاقية بموقف تلك الدول، أي روسيا، والصين، وألمانيا، وفرنسا وبريطانيا.
الانسحاب الأميركي من الاتفاق ي فتح الباب أمام واشنطن لمواصلة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، فإذا ما تساوقت الدول الخمس الأخرى مع تلك الإجراءات، فإن إيران تهدد بمتابعة تخصيب اليورانيوم، أما إذا انفردت أميركا وحدها بتلك الإجراءات فإن العداء سينحصر بين الدولتين فقط، وبالنظر إلى أن "حروباً تجارية" بدأت تلوح في الأفق بين أميركا وشركائها في ذلك الاتفاق، فإن إيران بضبط النفس تراهن على أن يظل محصوراً بينها وبين الولايات المتحدة فقط، حيث ليس أمام الشركاء الآخرين إلا محاولة تعديل الاتفاق لثني واشنطن عن قرارها الانسحاب منه، وهو ما حاولت فعله بعد الإعلان الأميركي، أو الاستمرار بموقفها الحالي، المتمثل بعدم إعلان الانسحاب بدورها، مع عدم إعلان الإصرار على التمسك به، لتصبح الإجراءات العملية هي الفيصل.
التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، اتخذ منحى متصاعداً في الأيام الأخيرة، خاصة بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في إيران على سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث إن أميركا تراهن في تحقيق هدفها بإسقاط النظام الإيراني على "الثورة الشعبية" التي إن لم تنجح في إسقاط النظام بشكل صريح، فإنها ستكون مدخلاً لتدخلها العسكري.
وفي الحقيقة، إن التطورات السياسية داخل إيران ليست معزولة عن صراعها مع الولايات المتحدة الممتد منذ نحو أربعين عاماً، أي منذ إسقاط نظام الشاه الذي كان حليفاً لأميركا في المنطقة، فقد لوحظ أنه في فترات التوتر بين البلدين، يدفع نظام الملالي بحكومة أو برئيس متشدد، أما في حال الانفراج كما حصل حين تم التوصل للاتفاق حول البرنامج النووي، فإن حظوظ المرشح الرئاسي المعتدل تكون أعلى، وهكذا فاز في الانتخابات السابقة الرئيس الحالي حسن روحاني المحسوب على المعتدلين.
لذا فإن دخول ما يسمى ببازار طهران، الذي يضم التجار وهم قوة أساسية في إيران، على خط الاحتجاج الداخلي، يدفع حالياً بالحرس الثوري لمحاولة الإطاحة بالرئيس روحاني والدفع برئيس متشدد من أجل مواجهة أكثر فاعلية لواشنطن.
التهديد قبل أيام من قبل واشنطن بفرض العقوبات على إيران، لإغلاق الأبواب أمام تصديرها للنفط، وهو عصب الاقتصاد الإيراني، دفع طهران للتلويح بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، أي أمام حركة ناقلات النفط من الخليج إلى الغرب.
أي أمر من هذا القبيل في حال حدوثه، سيدفع بكرة النار لإشعال المنطقة، وفعلاً بدأت بعض الأوساط تتحدث عن خطة أميركية للحرب على إيران، هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل الضغط الإسرائيلي المتزامن ضد الوجود الإيراني، حصراً في سورية.
فأي خطة لإسقاط أو شن حرب ضد إيران لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار الاستطالات الإيرانية خارج إيران، ذلك أن القوات العسكرية الإيرانية وكذلك العديد من حلفائها العقائديين موجودون في أكثر من مكان، وهم مستعدون ودون تردد لخوض الحرب إلى جانب الدولة وحتى النظام الإيراني، من "حزب الله" القوي في لبنان والموجود في سورية، إلى معظم أركان الحكم العراقي، كذلك الجيش العراقي والعديد من الميلشيات الشيعية في البلد الذي ظنت أميركا أنها بإسقاطها نظام صدام حسين قد وضعته في جيبها.
لذا فإن إسرائيل وأميركا تجدان أمامهما ممراً إجبارياً لتنفيذ هدف إسقاط نظام حكم الفقيه الإيراني، وهو أن تقطع كل استطالاته الخارجية التي، في حال تم شن حرب أو مواجهة عسكرية مع إيران، من شأنها أن تشتعل كل منطقة الخليج والهلال الخصيب، أي من حدود اليمن جنوباً إلى لبنان وسورية والعراق إلى جانب إيران بالطبع. وهذا يعني استحالة أن ينجح المسعى الأميركي/الإسرائيلي، ليس في إسقاط نظام الحكم الإيراني وحسب، بل وفي تجنب خسائر بشرية واقتصادية وكذلك سياسية فادحة، قد تؤدي إلى نتيجة عكسية تماماً، وهي إخراج أميركا من المنطقة، وفرض الانكفاء الداخلي على إسرائيل، إن لم يكن أبعد من ذلك بكثير.
بمحاولة السير على خطوط عديدة متوازية، تقوم إسرائيل بمحاولة تحييد قطاع غزة ، وإخراجه من دائرة المشاركة في تلك الحرب المحتملة، من خلال صفقة العصر أو التوصل لهدنة أو صفقة تبادل أسرى، كذلك بمحاولة الاتفاق مع الروس لإبعاد إيران عن حدودها الشمالية، كمقدمة لإخراجها وإخراج "حزب الله" من سورية، ثم تضييق الخناق على الحزب القوي في لبنان، فيما تقوم الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية لمزيد من تأجيج الاحتجاج الداخلي، وربما أيضاً محاولة تدوير الوضع داخل العراق، وإن كان هذا الأمر في غاية الصعوبة أمامها، لأنها كانت قد حطمت القوة السنية خاصة على المستوى المسلح، كذلك فإن هزيمة الإقليم الكردي في معركة الاستقلال عبر الاستفتاء، أضعفت كثيراً من قدرة أميركا في إخراج إيران من بين شيعة العراق، ولم تجد واشنطن إلا ورقة أموال أزلامها العراقيين التي تعد بالمليارات، لتهدد بمصادرتها، وهكذا فإنه يمكن القول: إن ولاية ترامب في البيت الأبيض، التي قد تعني مضي أكثر من ست سنوات، أي ما تبقى من ولايته الحالية مع ولاية إضافية ممكنة، قد يتم استهلاكها بالكامل في محاولة إسقاط نظام الحكم الإيراني، وفي حال مر الوقت وحصلت إيران على القنبلة النووية، فإن قدرة أميركا وإسرائيل على شن الحرب ضدها ستكون قد صارت أمراً مستحيلاً بالكامل، حينها فقط ستتوسل واشنطن إجراء اللقاء مع الرئيس الإيراني كما فعلت الشهر الماضي مع الرئيس الكوري الشمالي.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية