يغيب النقاش الأخلاقي في الحيز العام الفلسطيني عن مجمل قضايانا ويتم اقصاؤه بشكل متعمد ويتجلى ذلك في فضيحة العقوبات المفروضة على قطاع غزة من قبل السلطة الوطنية والتي كشفت عورتنا  ومواقف قسم كبير من الشعب الفلسطيني في تأييدها والدفاع عن فرضها، وما يحزن أن النقاش في مجمله كان ولا يزال ليس حول هل هذه إجراءات او عقوبات فقط، بل هي مستحقة، ونكرر بدون تفكير أن هذه العقوبات كان يجب أن تتم في بداية الإنقسام وكأننا نبرر مشروعيتها والقول لماذا تأخير فرضها؟ 

وهذا الحال ينطبق على الحصار والانقسام "الانقلاب"، وتحميل حماس وحدها المسؤولية، في حين أن الحصار إسرائيلي ويعاقب 2 مليون فلسطيني ولا يميز بينهم، والتعمد في اقصاء النقاش الاخلاقي واخذنا بعيداً في تفاصيل التمكين، وغيرها من التفاصيل التي باستطاعة المنقسمين الذين يفرضون رؤيتهم الخاصة والتمسك بالجانب السياسي، وتغييب أي نقاش أخلاقي عن قيم المساواة والعدالة وحقوق الانسان الاساسية عن قضايانا السياسية الخلافية. 

الفلسطينيون لم يحددوا أولوياتهم لا في مواجهة صفقة القرن او ازماتهم الداخلية وأصبح الإنقسام وأزمة غزة وحصارها والعقوبات المفروضة مدخلا مناسبا لجهات عديدة ابرزها الولايات المتحدة وممثلها جيرالد كوشنير في تنفذ سياسات إسرائيل بذريعة "تحسين الوضع الإنساني في غزة"، وهي بمثابة البداية لتطبيق صفقة القرن، وتزامن مع كل ذلك جولات مكوكية من جهات متعددة لقطاع غزة و رام الله ولم يكن أخرها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف وخطته لتنفيذ مشاريع بنى تحتية في القطاع.

إضافة إلى الزيارات المكوكية للسفير القطري محمد العمادي الى القطاع، وهي ليست الاولى خلال الشهرين الماضيين وتصريحاته التي اثارت غضبا وجدلا واسعا في فلسطين، وكل مرة يأتي فيها العمادي يكون محملا بعروض لحركة حماس وهذه المرة كان يحمل عرض من كوشنير بوقف مسيرات العودة واطلاق البالونات الحارقة تجاه المستوطنات الاسرائيلية المحيطة بالقطاع مقابل تحسين الوضع في القطاع وضخ أكثر من نصف مليار دولار، وإلا فإن صبر إسرائيل لن يطول وستشن حربا واسعة على القطاع.

الانقسام والعقوبات والحصار والازمة الانسانية الكارثية في قطاع غزة ومؤامرة صفقة القرن، والساحة الفلسطينية مفتوحة على كل الاحتمالات واصبح الهامل والهامل يدلي بدلوه في حل ازمة غزة والنقاش قائم هل هي اجراءات عقابية ومبررها عودة غزة الإبن، غير ان البصيرة والعقل غابا والغاية واضحة وضوح الشمس وهي المدخل المناسب لتنفيذ الصفقة والتي لم تبدأ مع وصول ترامب وفريقه انما تم التمهيد لها منذ أكثر من عقد من الزمن بالحصار والإنقسام وبالتجويع والتركيع والترقيع.

يتوه الفلسطينيون في التفسيرات والتبرير ويستغرقون وقتا طويلا في الانتظار من دون تقديم المبادرات والهجوم المضاد في حل مشكلاتهم الداخلية، ونقاشها المستفيض انطلاقا من البعد الاخلاقي لكل ما يجري، وانعكاس ذلك على ازماتهم السياسية ومواجهة الاحتلال ومشارعه وفي مقدمتها ما تسمى صفقة القرن وهنا بيت القصيد وما يقال أن هناك رفض فلسطيني مطلق للصفقة، وان الموقف الرسمي والشعب الفلسطيني موحد في رفضها، غير ان الحقيقة غير ذلك فالموقف هو خطاب الرفض والانتظار وغياب الوحدة الحقيقية والانقسام سيد الموقف.

غزة تنتظر مصيرها بين تشديد العقوبات وتهديد إسرائيل بالويل والثبور ووهم التحسينات الاقتصادية الانسانية المشروطة، ولا توجد آليات موحدة لحلها ومطلوب من غزة رفضها ومواجهة صفقة القرن ورفضها على الأرض وهي تجوع ويتم تحميلها مسؤولية التساوق معها. لقد ان الاوان البدء في نقاش وطني ينطلق من قيم المساواة وأسس الديمقراطية والتشارك وعدم الانتظار والاكتفاء بالقول ان الفلسطينيين من البحر للنهر يرفضون صفقة القرن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد