ليس غريباً أن تبدي إسرائيل اطمئناناً إزاء تقدم قوات النظام السوري نحو الجنوب والجنوب الغربي، وحتى لو أنها نجحت في تطهير محافظة درعا المحاذية للحدود الأردنية، واستعادت السيطرة عليها من الجماعات الإرهابية والمسلحة، المهم بالنسبة لإسرائيل هو ألا يشكل ذلك فرصة، لاقتراب قوات إيرانية، أو مقاتلي حزب الله، أو أي طرف فلسطيني أو غير فلسطيني من منطقة الجولان. 


ومهم، أيضاً، ألا تؤدي المعارك الطاحنة في محافظة درعا، لنزوح عشرات آلاف السوريين الهاربين من النيران، إلى منطقة الجولان، التي ينبغي أن تبقى منطقة غير مأهولة، وحتى تظل مكشوفة أمام عيون إسرائيل.


تسعى إسرائيل من خلال الاتصالات الحثيثة التي تجريها مع الولايات المتحدة وروسيا، إلى أن تكون قوات النظام السوري، هي الوحيدة المتواجدة والمسؤولة عن استمرار سريان اتفاقية الهدنة التي تم إبرامها بعد حرب تشرين. 


منذ توقيع تلك الاتفاقية العام 1974، ظلت الجولان منطقة آمنة وهادئة بالنسبة لإسرائيل حيث لم يسمح النظام السوري لأي جماعة أو فصيل بتفعيل المقاومة ضد إسرائيل التي تحتل الجولان السورية.


حرصت سورية على أن تقاوم الاحتلال الإسرائيلي من خلال الفلسطينيين واللبنانيين، وأن تظل هي بمنأى عن توتير جبهة الجولان، أو التورط في حرب مع إسرائيل، خاصة بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد.


ورغم أن إسرائيل لم تتوقف عن تسديد الضربات العسكرية الموجعة للنظام السوري وقواته على الأراضي اللبنانية، ومنذ اندلاع الصراع في سورية العام 2011، على الأراضي السورية إلاّ أن الجواب كان دائماً، أنها سترد في الوقت والزمان المناسبين.


حتى الآن لم يأتِ الوقت والأرجح أنه لن يأتي خلال سنوات، كثيرة قادمة، إذ إن الصراع في سورية وعليها، الذي تكالبت عليه قوى إقليمية ودولية، من شأنه أن يترك النظام بلا حول ولا قوة. 


إذا كان حال سورية بعد كل هذه الصراعات أو الحروب الدامية يشكل العامل الأهم الذي يدعو إسرائيل للاطمئنان فإن القيادة الإسرائيلية تسعى لتعزيز ذلك من خلال الحصول على ضمانات روسية وأميركية.


في وقت سابق تمنّينا لو أن النظام السوري، حوّل الصراع والمعركة نحو إسرائيل، وتحت شعار وهدف تحرير الجولان، إذ كان ذلك سيضع المعارضة والجماعات المسلحة، في وضع حرج جداً، وكانت التكلفة ربما ستكون أقل من الثمن الذي تدفعه سورية. 


غير أن حسابات السياسة الرسمية للأنظمة العربية، التي تضع حماية النظام على رأس أولوياتها، لا يمكن أن تفكر انطلاقاً من أولوية حماية الوطن والدولة، فالهزيمة والانتصار يحددهما بقاء أو رحيل رأس النظام.


إسرائيل الآن تركض في كل اتجاه، لضمان ألا تؤدي المعركة في جنوب سورية، إلى اقتراب قوات إيرانية، أو مقاتلي حزب الله، فها هو رئيس الأركان الإسرائيلي ايزنكوت يذهب إلى الولايات المتحدة التي عليها أن تضغط على روسيا، ويتابع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان اتصالاته وتواصله مع وزير الدفاع الروسي.


ومن باب الحذر تعلن إسرائيل الاستنفار على الحدود الشمالية، وتعزز قواتها بمزيد من الدبابات والآليات والأسلحة والجنود. 


من الواضح أن الحذر الإسرائيلي لا يخفي الشعور بالانتصار جزئياً بعد أن تحدت العالم، حين تم التوقيع على اتفاق الستة مع إيران بشأن برنامجها النووي.


العالم لم يتغير ولكن الذي تغير هو الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق، ما أدى بالإضافة إلى إجراءات وقرارات أخرى اتخذتها إدارة ترامب إلى توتير العلاقة مع أوروبا، التي لم تنجح حتى اللحظة في الحفاظ على الاتفاق، وحمايته.


الولايات المتحدة، واصلت فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وتعمل بكل قوة للضغط على الشركات الأوروبية، لإرغامها على سحب استثماراتها وعملها مع إيران، ما يحرج دول الاتحاد الأوروبي، التي قد تعجز عن تلبية حاجات إيران الاقتصادية وتعويضها عمّا لحق ويلحق بها بسبب العقوبات الأميركية.


وعلى أرض الواقع يستطيع نتنياهو أن يتبجح بأن سياسته التي تبنتها الولايات المتحدة إزاء إيران، قد أدخلت الأخيرة في أزمة اقتصادية تسببت في اندلاع موجة من الاحتجاجات الداخلية، التي قد تتسع يوماً بعد الآخر نظراً لعجز الاتحاد الأوروبي وحلفاء إيران عن إنقاذ الوضع.


فضلاً عن ذلك فإن روسيا لا ترغب بالتأكيد في أن تكون إيران شريكاً قوياً لها وموجوداً على الأرض السورية، ولذلك فإنها تستخدم هذه الورقة في المساومة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني أن ما يبدو أنه تحالف إيراني روسي، ليس سوى الاستجابة لضرورات اللحظة حيث تتقاطع المصالح، لكن الأوضاع تتغير، وتتغير معها التحالفات بسبب تغير المصالح.


ليست إسرائيل وحدها التي تفرك يديها فرحاً نتيجة ضعف إيران، ومؤشرات المزيد من الضعف والارتباك، فثمة عديد الدول العربية التي تسعى وتنتظر انهيار القوة الإيرانية وانحسارها، على أن العرب وغير العرب، لا يدركون حتى اللحظة أن عدوهم الأساسي هو الولايات المتحدة الأميركية، التي تدير السياسة في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من التزامها القوي بحماية أمن إسرائيل، ومساعدتها على تنفيذ كل مخططاتها التوسعية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد