تقتصر صفقة القرن فى مضمونها على إنهاء لب الصراع  العربى الاسرائيلى؛ ألا وهى القضية الفلسطينية، ولكن أبعاد تلك الصفقة بالتأكيد تشمل العالم بأسره نظرا لأن منطقة الشرق الأوسط هى تاريخيا المحرك السياسى للعالم كونها تحوى المخزون العقائدى له وكذلك مخزون الطاقة العالمى فى أراضيها، وعليه فإن صفقة القرن لن تمر دون إشراك القوى العظمى إن لم يكن فى رسم معالمها فليس أقل من جني مكاسب من تمريرها، ونظرا لطبيعة الصفقة الشاذ والمشبوه من منظور محايد كمنظور الأمم المتحدة التى أقرت آلية مختلفة تماما لحل الصراع؛ فمن البديهي أن تجد الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة لتقديم تنازلات لتلك القوة لتمرير صفقة من هذا القبيل ومنحها تأشيرة المرور.

ان ملف التسوية للصراع العربى الإسرائيلى والفلسطينى الإسرائيلى تحديدا هو ضمن ملفات الصراعات الدولية التى تحتكر الولايات المتحدة إدارته منذ قرابة النصف قرن بحكم وقوع الصراع فى منطقة خاضعة لنفوذها السياسى والعسكرى؛ وضمن خارطة المصالح الاستراتيجية الإمبراطورية للقوى الكبرى، وبرغم محاولات قوى إمبراطورية أخرى مثل روسيا تلمس موطئ قدم لها فى المنطقة إلا أن ميزان القوى الامبراطورية المائل لصالح الولايات المتحدة لا زال بمقدوره الحد من طموحات تلك القوى وإبقاءها فى أدنى حدوده. فالسياسة الدولية محكومة بموازين القوى على الأرض وطبقا لمصالح أصحاب تلك القوى ترسم السياسات بعيدا عن منطق العدل والأخلاق .

ومن هذا المنطلق فإن تمرير صفقة القرن وحصولها على تأشيرة المرور دوليا لن يكون ممكنا إلا بموافقة تلك القوى؛ وخاصة ذات الصلة منها، وفى ظل إصرار الإدارة الأمريكية الحالية على تمرير صفقتها المشبوهة سيكون عليها تقديم تنازلات مستحقة لتلك القوى الدولية ذات الصلة، ولكن تلك التنازلات محددة بموازين القوة القائم على الأرض، وأول تلك القوى هى روسيا الاتحادية والتى استعادت موطئ قدم لها فى سوريا، والتى هى أحد أطراف الصراع العربى مع إسرائيل و التى تستهدف الصفقة إنهائه.

والسؤال الذى يدور فى الأذهان ما هى التنازلات التى قدمتها الولايات المتحدة والتى ستقدمها  مستقبلا لروسيا نظير تمرير الصفقة طبقا لموازين القوة سالفة الذكر؛ وأى تنازلات من هذا النوع من البديهى أن تكون فى أزمة الملف النووى الإيرانى وفى سوريا وسوريا فقط؛ والتى تظهر الأحداث المتلاحقة فيها خلال العام الماضى والحالى كيف تقلص الدور الأمريكى ودور حلفائه فى الأزمة السورية وكيف تفردت روسيا  بإدارة الأزمة السورية بعيدا عن الأمم المتحدة وعن كل اللاعبين الدوليين والإقليميين؛ وكيف استطاعت فرض نظام الرئيس السورى مجددا على الجميع بتنسيق واضح مع الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الثلاث الوازنة فى المنطقة الممثلة فى إسرائيل وتركيا وايران؛ وكيف حولت حالة الصدام مع تركيا إلى علاقة تحالف دافئ؛ وكيف استثمرت ذلك فى تعزبز نفوذها العسكرى فى الشمال السورى، وكيف استطاعت نزع فتيل المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل فى هضبة الجولان، وكيف استثمرت ذلك فى تقليص النفوذ العسكرى لحليفتها إيران نحو تعزيز نفوذها العسكرى فى سوريا وتعميق دورها ونفوذها السياسى إقليميا ودوليا على اعتبارها المايسترو الدبلوماسى القادرعلى موائمة وجهات نظر الفرقاء والخروج بحلول توافقية، واستمراراً لهذا الدور الروسى الجديد والمتنامى تأتى دعوة الرئيس بوتن لكلا من الرئيس الفلسطينى ورئيس الوزراء الاسرائيلى لحضور مباراة نهائى كأس العالم؛ وفى ذات السياق اتت دعوة وفد من المكتب السياسى لحركة حماس لزيارة موسكو مطلع الأسبوع الحالى، وفى المقابل على الجميع وخاصة نحن الفلسطينيون أن لانرى جانبا من الصورة  ونتجاهل الصورة البانورامية للجغرافيا السياسية الدولية والإقليمية؛ والتى تشي بوضوح إلى محدودية الدور الروسى فى التأثير فى الملف الفلسطينى؛ وأن هذه المحدودية لن تسمح لروسيا إلا بلعب دور المايسترو الدبلوماسى؛ والذى ستكون مهمته إقناع الجميع وخاصة نحن الفلسطينيون أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان أو ما سيكون، أما الدور الروسى الحقيقى والفاعل فسيأتى لاحقا عندما ي فتح ملف الوضع النهائى لهضبة الجولان بعد تمرير صفقة القرن وتوقيع اتفاق الحل النهائى للأزمة السورية؛ والتى بات ملفها بحوزة الروس ضمن ترتيبات النفوذ والمصالح  للقوى العظمى .

ان العالم بأسره يدرك حجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطينى منذ ما يزيد عن سبعين عام، ويدرك أن صفقة ترامب التى بدأت بإعطاء القدس بشطريها لإسرائيل على طبق من ذهب هى إمعان فى هذا الظلم وتكريس له، والعرب والعجم يدركون حجم عدالة القضية الفلسطينية وأن تصفيتها بصفقة كتلك يجعل من العالم مكانا أقل أخلاقية وأكثر ظلما وقهر؛ وما قرارات الجمعية العامة الأخير والتصريحات الدولية والعربية عن رفض الخطوات الأمريكية الممهدة للصفقة إلا خير دليل على ذلك.

ولكن واقع الحال هو كما رواه الفرزدق للحسين عندما التقاه فى الطريق إلى الكوفة؛ وقد كان الفرزدق قد غادرها لتوه فسأله الحسين عن أوضاعها فرسم الفرزدق له المعادلة الحقيقة بين الواقع والأمنيات؛ وبين الأقوال والأفعال والتى تجاهلها الإمام الحسين رضى الله عنه عندما واصل المسير لاحقا الى الكوفة؛ فقال الفرزدق للحسين ( إن قلوب القوم معك لكن سيوفهم مع بنى أمية وما النصر إلا من عند الله) وهذا هو حالنا اليوم إن قلوب العجم والعرب معنا نحن الفلسطينيون لكن مصالحهم مع السيد ترامب ويبقى النصر من عند الله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد