يعود الحراك الأميركي بقوة إلى المنطقة لإعادة الروح إلى خطة ترامب “الإسرائيلية”؛ في محاولة لفرض حل سياسي مشوه للقضية الفلسطينية، إن لم يكن الهدف تصفية القضية برمتها.


قادة اللعبة الأميركية، كوشنير وغرينبلات وفريدمان، في حالة استماتة من أجل تمرير المخطط، لأنه حاز فرصةً لن تتكرر للاحتلال الإسرائيلي.


اقترن الحراك الأميركي بضغط كبير على الدول العربية- التي هي بحاجة إلى مساعدات اقتصادية أميركية، أو بحاجة إلى الحماية الأميركية، في ظل توترات وحروب تشهدها المنطقة- لتمرير المخطط.


قبل عدة أشهر تمكن الفلسطينيون من إفشال صفقة القرن ، ولم تكن واشنطن قادرةً على إحداث اختراق حقيقي على المستوى الفلسطيني أو العربي أو حتى الدولي. ولذلك عمدت إلى تأجيل غير محدد للإعلان عن البنود الرئيسة للخطة، ولكنها في الوقت نفسه واصلت العمل من أجل فرض وقائع جديدة على الأرض تصب في مجملها في مصلحة الاحتلال ومخططاته.


أولى خيوط المؤامرة كانت الاعتراف الأميركي ب القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وبعد ذلك نقل السفارة الأميركية إليها. وعلى الرغم من محاولات تلطيف قرار النقل وذر الرماد في العيون، بعد أن أعلنت الإدارة الأميركية على لسان وزير خارجيتها السابق أن عملية النقل ستستغرق عدة سنوات، فإن ما حدث هو أن عملية النقل لم تستغرق سوى عدة أسابيع.
 جاء بعد ذلك قرار تخفيض المساعدات عن وكالة الغوث بطلب إسرائيلي من أجل تصفية قضية اللاجئين. بعد ذلك لم تمارس واشنطن أي ضغوط في شأن الاستيطان، وأكدت على ما تسميه حدوداً آمنة للاحتلال خاصة في منطقة الأغوار والمناطق الجبلية.


القيادة الفلسطينية وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة تمكنت بشجاعة من الوقوف في وجه المخطط الأميركي في ظل سياسة الحصار والتضييق المالي وقطع المساعدات.


خلال الأسبوعين الأخيرين عادت الإدارة الأميركية إلى تفعيل مسار “صفقة القرن” من خلال ما تسميه تحسين الأوضاع في غزة . وجاءت جولة كوشنير وغرينبلات المكوكية إلى الأردن ومصر وقطر والسعودية في محاولة للحصول على موافقة مبدئية على الخطة الأميركية قبل إعلانها، ولممارسة مزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية.


المبعوثان الأميركيان يحاولان ذر الرماد في العيون من خلال الادعاء أن غزة بحاجة إلى تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في ظل حصار تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع. 


مصادر دبلوماسية غربية كما نشرت “الأيام” أول من أمس تؤكد أن المحاولة الأميركية الجديدة هي استنساخ لمقترحات إسرائيلية قدمت إلى الدول المانحة في اجتماعاتها الأخيرة، بمعنى أن ما طالبت به إسرائيل، ورفض في حينه، تقوم واشنطن بإعادة تفعيله تحت مسمى أميركي.


الخطة الأميركية تقوم على تحسين أوضاع المياه والصرف الصحي والكهرباء وإقامة قليل من البنى التحتية. بمعنى رزمة مشاريع اقتصادية مقابل إعادة تشكيل قطاع غزة ديمغرافياً ليكون أساس الدولة الفلسطينية وإلحاق كانتونات الضفة بهذا الكيان المسخ تحت مسمى الدولة الفلسطينية.


الجديد والخطير في التوجهات الجديدة هو ما ينشر عن تعاطي قيادة حماس مع هذه المقترحات سواء بطريق سرية أو علنية، خاصة أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ملادينوف سيطرح أيضاً خطة مشابهة في بنودها للأفكار السابقة وإن اختلفت التوجهات وهو على تواصل مع قيادة حماس في هذا الأمر.


ستكون كارثة فلسطينية إذا ما تم تسويق المخطط الأميركي الجديد على أنه رفع للحصار وتحسينٌ للأوضاع المعيشية في القطاع، خاصة أن كثيراً من أهالي القطاع تحت الضغط منذ أكثر من 12 عاماً.


في هذا الوقت، ولكي تتمكن فعلاً من إفشال المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي الجديد لا بد من التفكير الجدي بإعادة الحوار الوطني بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، والاتفاق بالحد الأدنى على سبل المواجهة، ووقف تمرير الأفكار الأميركية الجديدة باعتبارها قاعدة أساسية لإعادة إحياء خطة ترامب.


واضح أن القضية الفلسطينية في مفترق طرق، والقيادة تتعرض لضغوط كبيرة. ولكن في النهاية من يقرر هو الشعب الفلسطيني، لأنه حتى لو وافق العالم كله على المخطط الأميركي فإنه لن يمر إلاّ بموافقة فلسطينية.


على أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجودهم، وخاصة في غزة، التحرك السريع من أجل الانتباه لمؤامرة التصفية الجديدة. وعلى السلطة الفلسطينية أن تطبق فعلياً مقررات المجلس المركزي، وأن تعيد النظر في الإجراءات الخاصة بالوضع المالي والاقتصادي لقطاع غزة. من الأفضل أن نتقاسم الجوع على أن ندمر القضية، فهل من مستمع؟!


abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد