في توقيت بالغ الحساسية، تتجدد العلاقات الودية بين إندونسيا وإسرائيل، وذلك بقيام وفد من علماء الدين الإندونيسيين برئاسة يحيى ستاكوف، الأمين العام لجمعية "نهضة العلماء الاندونيسيين" بزيارة إلى القدس المحتلة بزعم المشاركة في مؤتمر لدفع الحوار بين الأديان الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، حساسية توقيت هذه المشاركة من قبل جهة دينية إسلامية في أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تكمن في أنها تأتي بعد القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها بالفعل، وفي ظل احتدام المواجهة بين متظاهري مسيرة العودة وجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ، وسقوط أعداد متزايدة من الشهداء والجرحى بفعل الاستخدام المفرط للقوة النارية من قبل جيش الاحتلال في هذه المواجهات، وبينما اعترضت اندونيسيا على القرار الأميركي المتعلق بالقدس المحتلة، إلاّ أنها ومن الناحية العملية، وفي ظل هذا التوقيت بالذات، فإنها تمرر تطبيعاً سياسياً يتخذ أشكالاً دينية وثقافية مع الدولة العبرية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية فيما بينهما، وذلك في اطار تاريخ طويل من علاقات تطبيعية بدأت واستمرت منذ سنوات ماضية، إذ لم تعد عدم إقامة علاقات دبلوماسية كافيةً للوقوف الفعلي مع القضية الوطنية الفلسطينية.


وكانت أول خطوة بهذا الاتجاه التطبيعي بين اندونيسيا وإسرائيل، قد تمثلت بقيام رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين أواخر عام 1993 في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلية إلى اندونيسيا، وذلك، ومرة أخرى، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، ومنذ ذلك التاريخ، نشطت العلاقات والاجتماعات والزيارات المتبادلة التي اتخذت في معظم الحالات، المشاركة في مؤتمرات دينية وثقافية، إلاّ أن قيام الرئيس الاندونيسي الأسبق عبد الرحمن وحيد، بعد زيارة رابين المشار إليها بعام، إلى الدولة العبرية، سجلت تطوراً سياسياً بالغ الأهمية في رسم علاقات أكثر دفئاً بين البلدين من الناحية السياسية.


وحسب التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعام 2007، فإن شمعون بيريس وزير الخارجية الإسرائيلي قد قام بزيارة سرية إلى اندونيسيا حيث التقى في أيلول عام 2000 بوزير الخارجية الاندونيسي علوي شهاب، وذلك قبل يوم واحد من زيارة الرئيس ياسر عرفات إلى اندونيسيا، وفيما بعد عمدت الدبلوماسية الإندونيسية إلى محاولة لعب دور في إقناع الجانب الفلسطيني بالسير في العملية السياسية التفاوضية مع إسرائيل، في حين أشارت عدة مصادر إلى أن جاكرتا حاولت إقناع حركة حماس باتخاذ "سياسة معتدلة" بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بهدف "احتضان المجتمع الدولي لها" كما أنها لم تتوان عن إصدار البيانات التي تحدد موقفها من المصالحة الفلسطينية ودعمها، إلاّ أن كل هذه السياسات لم تغطِّ على الجهود الحيوية لزيادة العلاقات التجارية والتسليحية بين البلدين، اندونيسيا وإسرائيل، تمثلت في العام 2000، ب فتح مكتب لشركة تأمين اندونيسية، وبعد عامين تم تأسيس لجنة العلاقات الخارجية الاندونيسية ـ الإسرائيلية، تضم، حسب وسائل الإعلام الاندونيسية قرابة 4450 عضواً.


في الأيام الأخيرة، اتخذت اندونيسيا قرارات متناقضة، تؤيد تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، ومعارضتها الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وشجبها مواجهة المتظاهرين السلميين في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى إصدار الخارجية الإسرائيلية أمراً بمنع السماح لحملة جواز السفر الإدونيسي دخول إسرائيل، علماً أن سجلات وزارة السياحة الإسرائيلية تشير إلى أن حوالي مائة ألف سائح أندونيسي يزورون الدولة العبرية، سنوياً، هذا القرار الإسرائيلي، فتح شهية وسائل إعلام الإسلام السياسي، في فلسطين وخارجها، لتبرئة اندونيسيا من اتهامها بالتطبيع مع إسرائيل، متجاهلة سلسلة من الإجراءات التي تؤكد على علاقات قوية وودية مع الدولة العبرية، تحت ذريعة عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، في حين أن تلك الإجراءات والعلاقات من القوة بحيث تقوم الوفود السياسية على أعلى مستويات بزيارات متبادلة بين الجانبين، ولم تعد هذه العلاقات تتركز على الجوانب الدينية والمؤتمرات، بل باتت علاقات سياسية بلا علاقات دبلوماسية، وعلى الأقل فإن تيارات عديدة مؤيدة للشعب الفلسطينية وقضيته الوطنية في اندونيسيا، هي التي تقوم ولا تزال بفضح هذه السياسة الرسمية لاندونيسيا، وبالعودة إلى زيارة الوفد الديني الإسلامي الإندونيسي قبل أيام إلى إسرائيل، فإن تظاهرات شاجبة لهذه الزيارة، ترافقت مع مقالات في العديد من وسائل الإعلام، الأندونيسية فضحت السياسة الرسمية للدولة التي تتسم بازدواجية تميل في الغالب لصالح الدولة العبرية!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد