نزع رأس الدولة جلالة الملك فتيل الأزمة، وأزال مسمار الصاعق من قنبلة الانفجار الاجتماعي الاقتصادي من خلال الخطوات الأربعة الآتية :

1- قبول استقالة حكومة الملقي ، 2- تجميد قرار رفع أسعار المحروقات ، 3 – وأكملها الرئيس المكلف عمر الرزاز بوعد سحب قانون الضريبة الإشكالي ، 4 – أخيراً وهذا المهم والأهم وهو التعامل مع المواطنين المحتجين باحترام بعيداً عن مظاهر القمع والصدام نزولاً عند احترام المواطن، ودلالته أن التظاهر والاحتجاج المدني السلمي حق مشروع كفله الدستور ومعايير حقوق الإنسان وبهذا مرت الحركة الاحتجاجية على بلدنا وشعبنا بهدوء وسلام، وسجل لنا المراقبون والجيران والمتابعون أننا شعب ونظام يستحق الحياة، ونستحق ما هو أكثر مما توفر لنا، ومما هو متاح من ضيق أفق ومن تغول، وعدم الحكم لنا أو علينا أسوة بما جرى ويجري في سورية والعراق وليبيا واليمن والسودان وحتى مصر، ونسأل لماذا لا نسترشد بما هو أرقى وبما هو متقدم، ولماذا لا يكون لدينا ما هو قائم لدى الشعوب الأوروبية المتطورة التي سبقتنا في احترام حقوق الإنسان والتظاهر والاحتجاج ونقترب منها عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وتداول السلطة والتعددية ؟


لقد أثبتت هبة أيار أننا شعب ونظام يمكن لهما أن يتفاهما وأن الحلقة الوسيطة المتمثلة بالنقابات المهنية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع الممثلين للطبقة الوسطى المتضررة من السياسات الاقتصادية، تتصرف بوعي وحكمة وسعة أفق، لأن قياداتهم وطنية مجربة وتعرف مصالحها وما تريده. 


لقد أكدت تجربة احتجاجات أيار، أننا نتوسل الحفاظ على عاملين هما : 1- مصالح دولتنا وأمننا ، 2- مصالح الشرائح الاجتماعية المتضررة المحتجة والتي أسعفتها قرارات رأس الدولة وتوجهاته الحكيمة لعلها تضع أرضية للتلاقي بين المكونات الثلاثة : 1- الحكومة ، 2- مجلس النواب والأعيان ، 3- النقابات المهنية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المهني، وبذلك قدمنا نموذجاً معتبراً كي نحترم أنفسنا وممتلكاتنا قبل أي عنوان آخر، ونحتج ونطالب بما هو مطلوب لنا كحقوق من خدمات ضرورية على مؤسسات الدولة أن تقدمها لنا بدءاً من الأمن ومروراً بالتعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية للمتقاعدين وكبار السن وللمحتاجين، سواء في الريف أو البادية أو المخيمات أو أحياء المدن الفقيرة. 


مظاهر التحضر المدني التي طبعت وفاقت ووحدت الأردنيين في مظاهر هبة أيار، أسقطت الجهوية ووحدت الأردنيين وهي علائم مطمئنة نتباهى بها ونفتخر، رجالاً ونساء ، كبار السن وصغارهم، مسلمين ومسيحيين، كاشفي الرأس ومدثرين، عرباً وأكراداً وشركساً وشيشاناً وأرمناً، من الجنوب والشمال والوسط، شبابا وصبايا، تجتاح الفرد منا حالة من الثقة خلاصتها أن أداء هؤلاء قد يكون أفضل منا، أكثر اقتراباً من روح العصر وقيمه، هويتهم واحدة، هويتهم الأردنية طاغية على ما عداها من جهويات وتمزق وادعاءات كاذبة أن أحداً منا أحسن من  الآخر. 


كلنا من أجل الأردن، والأردنيون كلهم أبناء الريف والبادية والمدن والمخيمات لفلسطين، تلك هي رسالة الخلاص والاستخلاص التي فهمناها واستوعبناها من هذا الجيل أولادنا وبناتنا، أبناء الأطباء والمحامين والمعلمين والمهندسين وأبناء الجنود والضباط والموظفين أبناء الصحافيين والكتاب والمثقفين والفنانين، كلهم، كلنا في خندق أردني واحد، لأن درس التمزق والجهوية وادعاء التمايز الكذاب بيننا ليس له نتيجة تستحق التوقف، وزادت عليه تجارب الخراب السوري والعراقي والليبي والسوداني واليمني وغيرها، حيث أعطتنا نتيجة أن لا نطلق النار على حالنا وعلى أرجلنا وعدونا الأول هو تدمير الذات وخراب وحدتنا الوطنية، وها هي هبة أيار توحدنا، ونواصل على أساس الوحدة والتعددية والديمقراطية والدستور الذي يحكم بيننا.


h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد