2014/12/06
17-TRIAL-
لم استغرب البيان الهزيل والمشبوه المنسوب زورا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في غزة والذي يُكَفِر ويُزندق ويُعهر شباب وشابات من فلسطينيي قطاع غزة ، فقد سبق وان صدرت بيانات عن جماعات متطرفة تهدد النساء والمثقفين. إلا أن المفارقة أن البيان صدر في نفس يوم تصويت البرلمان الفرنسي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفي وقت تتزايد فيه الاعترافات بدولة فلسطين وما تعنيه وترمز له من اعتراف بأن الشعب الفلسطيني بات قادرا ومؤهلا ليسترد أراضيه المحتلة ويحكم نفسه بنفسه ويقيم دولة المؤسسات ، وكأن المشبوهين ممن يروجون لوجود داعش في الأراضي التي يفترض أن تكون اقليم الدولة الفلسطينية يبلغون ، عن قصد أو دون قصد ، رسالة معاكسة مفادها أن الفلسطينيين غير مؤهلين لأن يحكموا أنفسهم ويُقيموا دولتهم المتحضرة، هذا إن لم يكن الهدف استدراج تدخل خارجي لفلسطين للقضاء على داعش المزعومة ، وهنا تتقاطع اهداف من يقف وراء البيان مع الاهداف الإسرائيلية .
هذا لا يعني عدم وجود جماعات متطرفة سلفية جهادية وغيرها ، فكل متابع للوضع في قطاع غزة في السنوات الاخيرة يعرف بأن جماعات السلفية الجهادية شهدت تزايدا في قطاع غزة عددا وعدة قبل أن يظهر للوجود تنظيم يسمى دولة الخلافة في بلاد العراق والشام ، وهذه الجماعات تعمل تحت مسميات متعددة مثل : جيش الأمة ، كتائب التوحيد والجهاد، سيوف الحق ،جند أنصار الله ، جيش الإسلام الخ .كما جرت مواجهات مسلحة مع هذه الجماعات ، مثل حادث مسجد ابن تيمية في رفح في أوغسطس 2009 حيث قتلت وجرحت حركة حماس الشيخ عبد اللطيف موسى وعشرات من انصاره ، المواجهات المسلحة مع جماعة ممتاز دغمش ، اغتيال إسرائيل لهشام السعيدني في أكتوبر 2012، مقتل المتضامن الإيطالي فيكتوري أراغوني ، تفجير محلات حلاقة ومداهمة مكتبات ومصادرة بعض المطبوعات ، وتفجير المركز الثقافي الفرنسي الخ.
أيضا كل متابع لوضع قطاع غزة وخصوصا في السنوات الاخيرة يعرف أن قطاع غزة يسير نحو حالة من الفوضى والخراب والفتنة ، طالما حذرنا منها ، حالة تغذيها وتدفع نحوها عوامل واعتبارات داخلية كانغلاق أفق المصالحة والمشاحنات السياسية والحصار والفقر والبطالة وغياب مرجعية محل توافق وطني ، وتغذيها وتدفع نحوها اعتبارات خارجية ، سواء من إسرائيل أو اطراف إقليمية تريد توظيف القطاع ككبش فداء للتغطية على فشلها الاستراتيجي .
ليس موضوعنا البيان لأنه من المؤكد أن لا علاقة لدولة العراق والشام بالبيان الرديء والمكشوف الذي تناقلته مواقع خاصة للأشخاص المذكورين في البيان ونقلت عنهم مواقع ومصادر إعلامية اخرى ، لأن داعش تنشر دائما كل بياناتها والعمليات التي تقوم بها على مواقعها الرسمية المعروفة ، وهذا ما لم يحدث بالنسبة للبيان المذكور ولا بالنسبة لعملية التفجيرات قبيل ذكرى وفاة ابو عمار . ولو كانت الدولة الإسلامية وراء البيان ما اقتصر الأمر على أسماء من قطاع غزة فقط دون الضفة الغربية ! ، مما يثير شبهات بأن من يقف وراء هذا البيان الهزيل والتافه إسرائيل وأشخاص او جماعات لها حسابات سياسية خاصة في قطاع غزة فقط .
ومع ذلك فالتطرف واحتمال صناعة داعش فلسطينية ليس مستبعدا في المدى القريب ، ليس لإيمان وقناعة فلسطينيي القطاع بداعش ونهجها ، بل لأن هناك بيئة مناسبة لاحتضان مزيد من جماعات التطرف والانغلاق ، ولأن هناك من يريد ارهاب وابتزاز الشعب من خلال التهديد بوجود داعش . كما هو الحال في الدول العربية المجاورة فإن داعش نتاج حاجة سياسية لأطراف داخلية و خارجية ، وليست منبثقة عن دوافع دينية فقط ، أو تعبر عن توجه ديني له ما يميزه عن حركات الإسلام السياسي الأخرى ويبرر وجوده . ستجد داعش كثيرا من الانصار في قطاع غزة تحديدا ، ليس فقط من غير المنتمين للأحزاب والفصائل القائمة بل من داخل هذه الاحزاب التي شاخت وترهلت ولم تعد مقنعة لعناصرها .
عندما تصبح مؤسسات الدولة او السلطة القائمة فاشلة وعندما تعجز الدول الكبرى في التدخل مباشرة لحماية مصالحها، تظهر الضرورة لصناعة جماعات مسلحة تنفذ مصالح واهداف السلطات المأزومة وأطراف خارجية. الدول المعنية بخلق الفوضى وتدمير الدولة الوطنية العربية لتأمين مصالحها ولقطع الطريق على أي حركة او فكر وطني أو قومي أو تحرري ، تلجأ لتوظيف الدين لصناعة جماعات الفوضى والقتل تحت كل المسميات ذات المغزى والدلالة الدينية. فما ساعد واشنطن والغرب وما يساعد إسرائيل اليوم في تنفيذ مخططهم التخريبي من خلال توظيف الدين ، أنه لا توجد ايديولوجية أو فكر وطني أو قومي عربي قادر على التعبئة والتهييج سوى الايديولوجيا الإسلامية كما يعبر عنها رجال دين جهلهم بالدين لا يقل عن جهلهم بالسياسة .
إن كانت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة صنعوا داعش أو سكتوا على وجودها بداية لخدمة مصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة – وسبق ذلك مساهمتهم في صناعة تنظيم القاعدة - ، فإن إسرائيل معنية بصناعة داعش فلسطينية خدمة لمصالح إسرائيلية في فلسطين وخصوصا في قطاع غزة . داعش فلسطينية ولو كانت مزورة ومصطنعة ولا علاقة لها بتنظيم الدولة الإسلامية الرئيسي يخدم إسرائيل استراتيجيا ، حيث ستدعم سياستها لإضفاء طابع ديني على صراعها مع الفلسطينيين ، وإغراق غزة بمزيد من المشاكل ، وتدفع نحو مزيد من الفتنة الداخلية ، أيضا هناك أطراف فلسطينية تريد تغيير المعادلة في قطاع غزة فبدلا من المفاضلة بين حركة حماس او حركة فتح تصبح المفاضلة بين حركة حماس أو داعش ، وهناك من يريد تهديد وابتزاز الشعب بداعش من خلال وضعه أمام خيار ، إما داعش أو حكم وسلطة حماس؟ وتريد ايضا تبليغ رسالة لمصر بأن داعش على أبوابها وانها الطرف الذي يستطيع كبح جماحها .
وأخيرا نقول لحركة حماس ، السلطة الحاكمة في قطاع غزة والتي يبدو أن وجودها في السلطة لن ينتهي قريبا ، إن تقليلها من قيمة البيان ووصفته بأنه (نزوة شباب) ، لا يكفي ، لأن السياق الذي جاءت فيه نزوة الشباب هذه تجعلها أقرب إلى اللعب بالنار. ماذا ستقول حماس إن جرت عمليات اعتداء وتصفيات جسدية لشخصيات سياسية وطنية واعتبارية معارضة لحماس وتم نسبة هذه الاعمال لتنظيم داعش المزعوم ؟ وكيف سترد حماس على القول بأن الجهات التي تقف وراء البيان تريد تبليغ رسالة ترهيب وتخويف للنخبة السياسية المعارضة لحركة حماس .
Ibrahemibrach1@gmail.com 128
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية