معركة سياسية دبلوماسية قادتها دولة الكويت الشقيقة ليلة الجمعة الماضية في مجلس الأمن من أجل توفير أكبر تأييد لمشروع القرار حول توفير الحماية للشعب الفلسطيني، ذلك ورغم أن الولايات المتحدة قد أعلنت سلفاً أنها ستستخدم «الفيتو» ضد مشروع القرار، وأن هذا المشروع لن يمرر عَبر مجلس الأمن، رغم ذلك حاولت الكويت من خلال بعثتها في مجلس الأمن وباعتبارها الدولة العربية الوحيدة الممثلة فيه، أن تمنح مشروع القرار أكبر قدر من الدعم الدولي وذلك عبر سلسلة من المشاورات والاتصالات الحثيثة التي استمرت لحوالي أسبوعين قبل انعقاد المجلس للتصويت على مشروع القرار، الأمر الذي أدى إلى مشروع قرار «مخفّف» عن صيغته الأصلية الأولية، وهو أمر طبيعي بعد اللجوء إلى تعديلات بهدف الحصول على أكبر دعم وتأييد من قبل الدول الصديقة أو المحايدة، هذه المشاورات لم تشمل الولايات المتحدة التي تقدمت بدورها بمشروع قرار تم التصويت عليه في نفس الليلة.
تجاوبت الكويت مع ملاحظات واقتراحات الدول الصديقة والأوروبية تحديداً، ويمكن ملاحظة تعديلات صياغية حساسة بهذا الصدد، فبدلاً من «شجب» استخدام إسرائيل القوة المفرطة جاءت كلمة «تنديد»، وبدلاً من أن «توقف إسرائيل فوراً عملياتها العسكرية» تم التعديل «أن تتحمل إسرائيل مسؤولياتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وتوقف فوراً كل انتهاكاتها لواجباتها القانونية» وبدلاً من «ضرورة توفير الحماية للشعب الفلسطيني» تم التعديل «النظر في توفير حماية للشعب الفلسطيني» كل ذلك بهدف دعم 14 صوتاً لصالح مشروع القرار، ورغم أن المشاورات شملت كلا من فرنسا وبريطانيا وهولندا والسويد وبولندا، إلاّ أن امتناع بعض هذه الدول عن التصويت، أدى إلى ضعف الموقف مقارنة مع الآمال والأهداف التي أدت إلى هذه التعديلات، فقد صوتت إلى صالح المشروع عشر دول هي روسيا «التي باتت رئيسة مجلس الأمن» والكويت والصين وفرنسا والسويد وكازاخستان وكوت ديفوار وغينيا الاستوائية وبوليفيا والبيرو، مع امتناع بريطانيا وهولندا وبولندا وأثيوبيا، والمعروف أن هذه الأخيرة كانت عادة تصوت لصالح فلسطين في المحافل الدولية، وباتت دولة إفريقية مهمة بعد أن أصبح مقر الاتحاد الإفريقي في عاصمتها أديس أبابا.
وبصراحة، يمكن القول إن الدول التي امتنعت عن التصويت، بعد أخذ ملاحظاتها بالاعتبار ما استدعى تعديلات على أصل المشروع، خاصة بريطانيا وهولندا وبولندا، كانت تستهدف عمداً تخفيف صياغة المشروع مع نواياها المبيتة بالامتناع عن التصويت، وهي تكتيكات تستخدم على نطاق واسع لدى عرض مشاريع القرارات على الأعضاء، ومع ذلك يمكن القول إن نتائج التصويت في ظل التعديلات على مشروع القرار وامتناع أربع دول عن التصويت، مخيب للآمال! ما يتطلب جهوداً سياسية ودبلوماسية نشطة من أجل مراجعة هذه الدول والإعراب عن عدم صدقيتها في التعاطي مع مثل هذه المشاريع للقرارات حول القضية الفلسطينية بشكل عام! ويقع اللوم في هذا السياق على المنظومة العربية التي ربما اعتمدت على جهود الكويت الشقيقة، وهي جهود مقدرة ومشكورة، إلاّ أنها لم تكن كافية وحدها كي تمتنع الدول الممتنعة عن الامتناع عن التصويت لصالح مشروع القرار الكويتي!
إلاّ أن ما يخفف الفشل في تمرير مشروع القرار الكويتي، رفض مجلس الأمن بكامل أعضائه باستثناء صوت الولايات المتحدة في تمرير المشروع الأميركي بإدانة حركة حماس وتحميلها مسؤولية أعمال العنف، ومطالبتها مع حركة الجهاد الإسلامي، بوقف ما سمته واشنطن «الأعمال العنيفة» والاستفزازية على طول الشريط الحدودي في قطاع غزة ، مرة أخرى نجد أميركا وحيدة في مجلس الأمن، ومعزولة رغم كل تهديداتها ذات الطبيعة الشعبوية لعدة دول في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والتهديد بوقف الدعم المالي لهذه الدول، وأهمية فشل تمرير المشروع الأميركي تكمن أساساً في هذه العزلة من قبل المجتمع الدولي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، حتى من قبل بعض الحلفاء التقليديين لهما.
وهنا لا بد من ملاحظة تتعلق، أيضاً، بمسألة «الامتناع» عن التصويت، إذا زادت نسبة الدول الممتنعة عن التصويت لمشروع القرار الأميركي، وبلغت 11 دولة فيما اعترضت ثلاث دول، هي روسيا والصين والكويت، هذا الامتناع يقترب من «الموافقة» على ضوء نص ومضمون مشروع القرار الأميركي، لذا يمكن القول مجدداً وبصراحة، أيضاً، أن فشل تمرير المشروع الأميركي لم يكن كافياً أو مرضياً، على ضوء نتائج التصويت على المشروع في مجلس الأمن، خاصة أن هناك دولاً صديقة دعمت المشروع الكويتي، وامتنعت عن التصويت حول المشروع الأميركي، وهذا ما يستدعي، مجدداً عدم الاحتفال بفشل أميركا في تمرير مشروعها!
ومن المفترض أن تتوجه الكويت، ومعها دولة فلسطين إلى الجمعية العامة، لعرض مشروع القرار حول توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني، وعادة ما يتم تمرير مثل هذه المشاريع في الجمعية العامة، إلاّ أنه يتوجب على المنظومة العربية أن تبذل جهوداً سياسية ودبلوماسية جبّارة، ليس بهدف تمرير مشروع القرار، ولكن لكي تصوت معظم دول العالم لصالحه، وبنسبة أقل من الدول الممتنعة عن التصويت، وأقل أكثر من أي وقت مضى من الدول المعترضة عليه، معدل النجاح والفشل لم يعد وقفاً على النتيجة النهائية للتصويت، بل بحيثياته وتفاصيله!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية